اجمل كلمات احلى صور حلوة عليها كلام

الاسلام ضد العقل

الاسلام ضد العقل

الاسلام ضد العقل 20160108 20

جبهات سنية متوترة بعضها في وجه بعض. اخوان مسلمون ضد سلفيين وسلفيون ضد تقدميين (او
فقط محافظين مسالمين) وعلمانيون ضد اخوان. وهابيون يساندون الاخوان ووهابيون يعارضونهم. لم تعرف المجتمعات الاسلامية
السنية غليانا كهذا منذ اقدم العصور. دون ان نذكر التوتر السني _ الشيعي الواقف متاهبا
على الحافة في لبنان والمتقلب بين سلمي وعنفي في البحرين والغارق في الدم بين العراق
وسوريا وباكستان. فضلا عما اخذته هذه الحمى بطريقها من اقليات العراق المسيحية وما تهدد باخذه
من اقباط مصر.
لا ندخل في اسباب هذا الاستنفار، فهي كثيرة متراكمة ومتجذرة في تاريخ الاسلام، واستغلالها سهل
على من يريد استغلالها. ولن نتوقف عند جوانبها السلبية فهي معروفة. سنجتهد هنا ان نقتنص
منها املا.
من ايجابيات هذا الصخب احتمال ان تنهك الرجعيات بعضها بعضا. ان يقذف الظلاميون بمدخراتهم من
الكراهية والتخلف وترتاح صدورهم، ولو ادت غرغراتهم الى تشويه صورة الاسلام وخدمة اعدائه واعداء العرب.
ليخرج العتم ويندلق الجهل. هذه هي الفضيلة الكبرى للحروب الاهلية.
الامل هو ان تلي صحوة الجنون صحوة العقل.
يتطلع المتفائلون الى مصر ومجتمعات المغرب. قد تكون الشعوب مقسومة ولكن يكفي ان تكون نسبة
خمسين في المئة عاصية على التخلف. نسبة اربعين، ثلاثين، عشرين في المئة… دور النخبة ان
تقود الشارع لا الشارع ان يقود الشعوب. ونحن ممن يعتقدون ان هناك خطا احمر في
مصر وسوريا ومجتمعات المغرب لا يسمح الاسلام المتحضر للاسلام المتحجر بتجاوزه. لا في الجامعة (جامعة
الازهر مثلا) ولا في السلطة ولا في الشارع. وهذا مطمئن. يوم بدات اوروبا تتململ من
سطوة الكنيسة لم يكن فيها هذا القدر من الشجاعة. وقفة العقل في الاسلام الراهن اكبر
من ثورة العقل الغربي في بداياته. ولكن هذا لا يكفي. لم يعد يكفي اتقاء المد
بل لا بد من علاج جذري.
وفي البداية ينبغي تسمية الاشياء، كما فعل ادم (وحواء؟) مع الكائنات الاولى. التسمية كفاح ضد
الخوف. انها فجر المعرفة.
ما نحن عليه الان ردة انتحارية. ليست الردة تمرد ابن الدين على دينه بل الردة
هي انفجار براكين العمى، براكين التعصب والثار والتكفير والعجز. وهذا ما قد نصير عليه اكثر
فاكثر. كان يمكن ان يتدارك تقدميو العالم الاسلامي هذا التردي لو لم تصطدهم التيارات الاصولية
هنا وشبق المال هناك. غير ان ما حصل حصل ولم يعد ممكنا الاختباء وراء المعتدلين
وهم لا حول لهم ولا قوة. والاهم من ذلك ان الاوادم الخائفين لا يستطيعون ان
يظلوا مرتجفين في زوايا بيوتهم ونفوسهم الى الابد. وهؤلاء الاوادم الخائفون هم اكثرية بين الشعوب
ان لم نقل انهم هم الاكثرية.
ما نعيشه الان في العالم العربي انحناء المسالمين للدمويين. قصارى هم المسيحيين في لبنان ان
لا يسحب عنهم الحماية «حزب الله» من هنا و«تيار المستقبل» من هناك. القلوب على مسيحيي
مصر من غضبة اسلامية غوغائية تجتاحهم. لم يعد من قلق على مسيحيي العراق وفلسطين بعدما
انقرضوا. مسيحيو سوريا قرروا الذوبان في الصمت. شيعة السعودية مخنوقون وشيعة البحرين يتعللون بالامال. لم
يعد من مستقبل مرئي لطوائف العراق غير المزيد من التمازق. نظرة الى المواقع الالكترونية وبعض
القنوات التلفزيونية «المختصة» تجعلك تتقيا من حجم التكاره السني _ الشيعي ومدى قابليته للتذابح.
وفوق هذا تناحر سني _ سني متعدد الموهبة والطاقة.
جو العيش على الحافة محتمل وطيب في الحب. يستحيل احتماله في التعايش الاجتماعي.

■ ■ ■
يتساءل زين العابدين الركابي في «الشرق الاوسط» (السبت 23 شباط 2024): «الاسلام دين جمال ودين
جميل (…) فلماذا تلصق به او يوضع في صورة مشوهة تنال من جماله او تطفئ
بهاءه؟»، ويجيب: «السبب والعلة ان هناك «مسلمين» يجنون على دينهم هذه الجناية الخائنة باقوال يقولونها
وبافعال يفعلونها». ويركز، بين الصور المعبرة عن هذه الجناية، على «الغلو». ويشرح قائلا: «غلو مسلمين
وعنفهم سبب عميق فادح من اسباب التخويف من الاسلام الذي من مقاصده التوسط والاعتدال في
كل شيء». ويمكن ان نمضي ابعد من هذا التعبير المهذب ونتحدث عن الظلامية والسطو على
العقل باسم الاصولية والصراط المستقيم. انه استبداد طبقة من رجال الدين بتوجيه العامة ونشر التكفير
وتخويف الخاصة ولا سيما منهم اهل الفكر والفن والادب والتعليم والسياسة والصحافة والسينما والتلفزيون. هناك
في هذا القرن وفي سابقه من ضيق الافق لدى محترفي «الوصاية الاسلامية» ما لم يكن
مثله على الارجح في العصور الاولى للاسلام. تراجع اسلامي فاضح بحق امة توهج تاريخها بحراك
فكري وفلسفي ضخم سبق الغرب المسيحي بقرون في تعميق البحوث وشحذ العقول وتجاوز الحدود. يضاف
الى هذا الصنف من الترهيب الارهاب الاخر، الدموي، الذي شرع في تعميم نموذجه فور انهيار
العالم الشيوعي. وحتى لو قلنا ان التخويف من الارهاب الاسلامي مفتعل وانه يخدم اغراض الاستعمار
والصهيونية فهذا لا يعفي الدول والمجتمعات الاسلامية من مسؤولية لها في اتاحة الفرص لتاسيس مثل
هذه الصورة ولتغذية مقومات استمرارها.
على الضفة الثانية من موجات التعصب نرى امكانات لنقيضها. انها فرصة تاريخية لانفجار الثورة العقلية
الاسلامية ضد «السجن اللاهوتي التكفيري الكبير» كما سماه هاشم صالح في «الشرق الاوسط» ايضا. انفجارها
وتاصلها وتحقيق الغلبة فيها فيغدو الاسلام لا ابن الوحي فحسب، بل ايضا ابن التاريخ وقيد
تداول العقل الحر بدل ان يظل اسير المحرم. ولن يكون ذلك من فراغ. فبالاضافة الى
نهضات الاقدمين، وفضلا عن «مشاغبي» مطلع القرن العشرين امتدادا الى ستيناته، هناك مجايلون لنا تابعوا
المسيرة التنويرية واضافوا اليها: عبدالله القصيمي، نصر حامد ابو زيد، عبدالله العلايلي، محمد اركون، صادق
جلال العظم، فرج فودة، سيد محمود القمني، ادونيس، عبد الوهاب المؤدب، رجاء بن سلامة، فاطمة
المرنيسي، نوال السعداوي، وغيرهم عديدون في مختلف الاقطار العربية.
نحن ممن يتفاءلون بالمارقين، وبالذين يؤكدون لنا ان لا نخاف على المستقبل، وان المجتمع السوري،
مثلا، لن يلبث ان يعود الى تسامحه ووحدته الوطنية وعروبته بعد نهاية الحرب الداخلية. وان
مصر لن تركع للسلفية والطالبانية. ولا تونس. نحب ان نسمع ونقرا ما يرسخ ايماننا بطيبة
شعوبنا وطهارة طويتها، ولانها كذلك تستحق ان تتسالم مع ذاتها ومع تنوعاتها وان تشعر بانها
تتقدم على دروب الانعتاق وازدهار الذات والخلاص من الازدواجية الكيانية.
لم ينهض الغرب نهضته الا مذ كرس سلطة الفكر الحر والبحث الحر والتعبير الحر فوق
سلطة المقدس الديني. لا الغاء للمقدس فثمة في الكيان الحي ما يرنو الى السري والى
اللامدنس ولو كان المدنس اكتشافا علميا خارقا او ابداعا ادبيا او فنيا عبقريا. هذه حاجة
بشرية (وربما وعلى الارجح غير بشرية ايضا) لا يقمعها قمع ولا يحل مكانها ضدها. والحرية
لا تنفيها بل على النقيض تزيدها رونقا وهيبة اذ تخلصها من التحنيط وتضعها في حيز
الشعور والاختيار والفردية.
من غير العدل ان يبقى العرب والمسلمون خارج دائرة الحضارة هذه، تارة باسم الاصالة وطورا
باسم التكفير.

■ ■ ■
بينما يجمح تيار السلفية في العالم العربي يتزايد في لبنان عدد المواطنين المتقدمين بطلب شطب
مذهبهم عن الهوية وترتفع وتيرة الدعوة الى اقرار الزواج المدني الاجباري مع جعل الزواج الديني
هو الاختياري.
الكيان المدان طوال عقود بالطائفية ينتفض على الطائفية وعلى المذهبية، وانظمة دول عربية كانت تتباهى
بمؤسساتها المدنية الراسخة وسطوة الدولة فيها وانعدام الانقسامات المذهبية والطائفية، تجد نفسها ممزقة ب«التناقضات اللبنانية».

لا احد الا فوق راسه خيمة… لعبة الامم.
ولن يقوينا عليها غير الوعي.
وان كان لا مفر من المواجهة فنعم المواجهة.
لندخل الى التاريخ ندخل الى الحضارة. وكي ندخل الى التاريخ لا يمكن ان نظل نهادن
الارهاب الفكري. ولئن كان البعض يقتدي بالنموذج الاسرائيلي حيث التعايش «خلاق» بين اصولية متفحمة وعلمانية
تحاذي الالحاد، فقد اثبتت العصور ان مثل هذا الوضع غير قابل للنمو والاستمرار في المجتمات
العربية. هنا انت تهادن الاصولية لكن الاصولية لا تهادنك.
الدخول الى التاريخ تسليم للعقل. العقل المحب العطوف ولكن ايضا النير الحر. العقل الذي ينحني
للحقائق ويعترف بالتطور ولا يهاب المحرم الديني ولا التكفير.
يجب ان نغتنم فرصة الانقسام الراهن السافر بين جبهتي الظلام والنور لننتهي من مرحلة نصف
حياة نصف موت.
لعل افضل خاتمة لهذا الكلام، العبارة الاتية لنيتشه:
«خير للمرء ان يهلك من ان يبغض ويخاف. خير له ان يهلك مرتين من ان
يجلب على نفسه البغض ومن نفسه الرعب. هكذا يجب ان يصبح في يوم من الايام
الشعار الاعظم لكل مجتمع منظم سياسيا».

السابق
رسائل دينيه جامده
التالي
خطبه دينيه و محفليه