تاملات ففقة الدوله لدي السيد الشهيد محمد باقر الصدر
قراءه تحليلية فاطروحتة فكتاب “الاسلام يقود الحياة”
المقال الذي نحن فصددة فهذه الاوراق، يتعلق بفقة الدوله بحسب ما ربما يخرج للباحث فثنايا بعض الكتابات الاخيرة للمفكر الاسلامي الفذ، الشهيد السيد محمد باقر الصدر، و تحديدا فكتابة “الاسلام يقود الحياة”، و الذي كتبة فمرحلة انتصار الثوره الاسلاميه فايران، بعد سنوات طويله من العمل الحزبى الحركى الذي قاد السيد الشهيد(ره) قيادتة الفكريه و التوجيهية.
ونعتقد ان عقل الشهيد الصدر(ره) التنظيري، لا بد من ان يغري الباحث فهذا المقال المهم، و لا سيما فهذه المرحلة التي يراد لها ان تحتضن الطرح الاسلامي الحضاري، فقضية هي من اعقد القضايا على المسرح الفكرى و السياسى العالميين، و فظل اشرس هجمه يواجهها الاسلام بنموذجة الحضارى من اثناء تناقضات داخلية تعمل على العوده الى عصور الجاهلية، فمقابل الانطلاق فيه ففضاءات الفكر و الممارسه الانسانيه الواسعة.
ونعتقد هنا، ان مقاربات السيد الشهيد(ره) ذات البناء النظرى الذي يعتمد التركيب بين المفردات الشرعية، تجعلنا امام مقاربه مختلفة للفقه، بين فقة موضوعة او خلفيتة الفرد المكلف، و مقال او خلفيه تتصل باطار اجتماعى او سياسى او اقتصادى مرتبط بحركة المجتمع، و لعلنا نوضح المقصود هنا فما ياتي، و هذا ضمن نقاط:
النقطه الاولى: فضروره فقة الدولة
يعتبر الشهيد الصدر(ره)، ان “الدوله ظاهره نبوية، و هي تصعيد للعمل النبوي، بدات فمرحلة معينة من حياة البشرية”1. و بذلك، يؤسس(ره) لاعتبار الدولة، و بالتالي الانشغال السياسى فبنائها و حركتها، جزءا لا يتجزا من الممارسه الايمانية، بل ضروره تفترضها النبوه فمرحلة تفعيلها على ارض الواقع. يقول الشهيد الصدر(ره): “ظهرت فكرة الدوله على يد الانبياء، و قام الانبياء بدورهم فبناء الدوله السليمة، و وضع الله تعالى للدوله اسسها و قواعدها كما لاحظنا هذا فالايه الكريمة: {كان الناس امه واحده فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و انزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}2 و ظل الانبياء يواصلون بشكل و احدث دورهم العظيم فبناء الدوله الصالحة، و ربما تولي عدد كبير منهم الاشراف المباشر على الدولة، كداود و سليمان و غيرهما، و قضي بعض الانبياء حياتة و هو يسعي فهذا السبيل، كما فحالة موسى(ع)، و استطاع خاتم الانبياء(ص) ان يتوج جهود سلفة الطاهر باقامه انظف و اطهر دوله فالتاريخ، شكلت بحق منعطفا عظيما فتاريخ الانسان، و جسدت مبادئ الدوله الصالحه تجسيدا كاملا و رائعا”3.
ولعلنا نخلص مما ذكرة السيد الشهيد(ره) الى ما يلي:
اولا: ان الواضع لاسس الدوله و قواعدها هو الله تعالى، و ذلك يقودنا الى ضروره اشتمال الفقة الاسلامي على فقة الدولة، و هذا فالقواعد العامة التي ممكن ان تحكم حركة التشريع التفصيلي.
وعلي هذا، يكون انشغال الفقية بالفقة السياسى امرا مرتبطا بمجال طبيعي من مجالات الفكر، و ليس مساله هامشيه قياسا بالمقالات التي درج عليها الفقهاء، و التي ترتبط بالجانب العبادى و المعاملى فعالم التجارات و الاحوال الشخصيه بشكل خاص.
وعلي ذلك ايضا، ممكن ان نذهب الى اعتبار الاستدلال على مسائل الدوله او الولايه من اثناء دليل الحسبة، حيث ان مساله الدوله او الولايه من الامور التي لا يرضي الشارع باختلالها او ضياعها؛ لاهتمامة بها، بحيث يصبح الاستدلال فشكل غير مباشر، و ذلك لا ينسجم مع كون الله تعالى هو الواضع لاسس الدولة؛ الامر الذي يقتضى ان يبين قواعدها فشكل مباشر، و هو ما ينبغى البحث عنه، ليغنينا هذا عن الاستدلال عليها من اثناء ادله عامة.
نعم، البحث فتحديد تلك الادله امر احدث لسنا بصددة فما نهدف الية فهذه الورقة.
ثانيا: بناء على ذلك، يؤسس الشهيد الصدر(ره) اصل سياده الشريعه للدولة، فدستورها و قوانينها، و يعتبر حينئذ امرا مفروغا منه، و ليس مثار بحث او جدل، و لا معني لفرضيه انفصال الدين و لا سيما بمعناة التشريعى و القانونى عن السياسة.
ثالثا: ان النبوه هي التي تقود التنظير و التاسيس للدولة، و ربما يتيسر لها الحكم المباشر، و ربما لا يتيسر ذلك. هل هذا يعني ان النبوه او من يمثلها ليست بالضروره هي الممارسه للحكم، و بهذا يتنافي كلامة مع نظريه و لايه الفقيه؟
لا نعتقد ان الامر ايضا فما يرتبط بكلام السيد الشهيد هنا، اذ لا يخرج انه بصدد التفكيك بين الدوله و الفقيه، بل اقصي ما تفيدة عبارتة هنا، ان مساله عدم ممارسه الانبياء للحكم، مساله مرتبطه بالظروف الموضوعيه التي تمنع من و اقعيه الحكم، اما حين تتوافر الظروف، فعليهم هم مسؤوليه قياده الدوله و المجتمع.
رابعا: يبدو بديهيا امام ما تقدم، ان تكون اقامه الدوله الاسلاميه من الواجبات التي تقع على المكلفين، و ايضا يقع على عاتقهم التصدى للحكومات او الانظمه غير الاسلامية، و العمل على اسقاط الحاكم الذي يراس الدوله الاسلاميه نفسها فحالة انحرافة و تنكرة للاسلام و تعاليمة و اصرارة على ذلك4.
ومن الممكن لنا ان نفلسف ضروره اصاله الدوله من زاويه الفقة الذي يركز على البعد الفردى للامور، اذ ما من شك فان الانسان متاثر بطبعة بالمجال الذي يعيش فيه، و هو الذي يمثل بالنسبة الية الفضاء الذي ينبغى ان يحقق حاجاته، و ان يشبعة نفسيا و يشعرة بالامن، و ما الى ذلك، فاذا رضى الانسان بان يتحرك المجال المجتمعى فحالة تنافر مع المبادئ التي يلتزم فيها فحياته، فمعني هذا انه فتح المجال امام تاثرة بضد ما يلتزم، و ذلك يؤدى مع الوقت و التقلبات الى تنازل فمستوي التزامة بالمبادئ التي يعتقد بها، تحت ضغط الحياة اليومية و متطلباتها، و بذلك يتحول الانسان من حالة مبدئيه معينة الى ما يضادها، و لا سيما اذا قسنا المساله الى اجيال متعددة، و ليس ضمن الجيل الواحد. ربما ممكن اعتبار ذلك دليلا اضافيا على ضروره الحكومة الاسلامية، بمجرد ان نتحدث عن بناء قيمى فوقى لا بد من ان يحكم حياة الفرد، و بالتالي حياة المجتمع.
النقطه الثانية: فالمنهج
فى البداية، لا بد من بيان معني فقة النظريات فعقل السيد الشهيد الاجتهادي، و الميزه التي يختلف بها عن الفقة العادي الممارس، و الذي يبني على خلفيه المكلف كفرد، فافعالة و تروكه، حتي عندما يبحث فالعلاقات بين افراد المجتمع، فانه يبحثها من اثناء تكليف الفرد فعلا او تركا.
نفترض هنا ان المجتمع، و ان كان فو اقعة عبارة عن تجمع افراد و مشاركتهم مكانا معينا بكل ما يحوية من مقدرات تسد حاجاتهم، الا ان ذلك الاجتماع نفسة للافراد، يؤدى الى نشوء وجود مجموعى لهم، بحيث يرتبطون مع بعضهم البعض فشبكه تفاعليه من الاهداف و الحركة و المصالح، لا يعطيها جميع فرد فالمجتمع من حيث هو فرد.
وعلي ذلك الاساس، سيصبح للمجتمع بوصفة مجتمعا، وجود مواز لا ممكن رؤيتة من اثناء النظر الى افراده. و ذلك الوجود الاجتماعي، اذا صح التعبير، يفرض على الفقية ملاحظتة فادارة عملية الاستنباط، من اجل المواءمه بين نتائجها و الحفاظ على قواعد حركة المجتمع، بما يحفظ لهذا المجتمع توازنة و استقراره، و استمرارة فتعزيز القيم التي تلتزم فيها الجماعة، و فتحقيق الاهداف التي تسعي اليها و المبادئ التي تلتزم بها.
ذلك كله يطرح امام الفقة نفسة اشكاليه المنهج فمقاربه فقة الدولة، او فقة الاقتصاد، او فقة الادارة السياسية، و غير هذا من الامور ذات البعد الاجتماعي، ضمن منهج الفقة الممارس لاستنباط الاحكام الشرعيه المتعلقه بسلوك الفرد المسلم العبادى و المعاملي.
حتي يتضح ما نرمى الية هنا، نطرح ما و رد فكلام السيد الشهيد(ره) فكتابة “الاسلام يقود الحياة”، يفرق به بين ثلاثه نوعيات من الاحكام او الموضوعات:
الاول: “احكام الشريعه الثابته بوضوح فقهى مطلق”، فهذه تعتبر ” بقدر صلتها بالحياة الاجتماعيه جزءا ثابتا فالدستور، سواء نصف عليه صريحا فو ثيقه الدستور ام لا”.
الثاني: ما “يحتوى على اكثر من اجتهاد”، و ذلك النوع “يعتبر نطاق البدائل المتعدد من الاجتهاد المشروع دستوريا”، على ان يتم اختيار البديل المعين من هذي البدائل من قبل “السلطة التشريعيه التي تمارسها الامه على ضوء المصلحه العامة”.
الثالث: منطقة1 الفراغ، و هي تشمل “كل الحالات التي تركت الشريعه بها للمكلف اختيار اتخاذ الموقف”، و هذا عندما لا يصبح لدينا “موقف حاسم للشريعه من تحريم او ايجاب”، و هنا “يصبح للسلطة التشريعيه التي تمثل الامة، ان تسن من القوانين ما تراة صالحا على ان لا يتعارض مع الدستور”5.
ولنا ان نلاحظ هنا، ان السيد الشهيد نفسه، كما جمله من العلماء، يتبنون فكرة و جوب تقليد الاعلم، الامر الذي يعني عدم حجيه فتوي غير الاعلم فاى امر يتعلق بافعال المكلفين، و التي منها كذلك القوانين التي ستوجة بشكل مباشر او غير مباشر اليهم، اضافه الى ذلك، ربما يقال بعدم جواز التخيير بين فتاوي الاعلم الذي له اكثر من فرد فالخارج، فهل نحن هنا امام تناقض عندما تسمح نظريه الشهيد الصدر، باعتبار اراء المجتهدين بدائل ممكن الاخذ باى منها، طبقا للمصلحه التي تقتضيها حركة الحكم و سن القوانين فالدوله الاسلامية؟ و اذا كانت الشريعة، التي منها الحكم بوجوب الرجوع الى الاعلم، هي ما يحكم قانون الدولة، فهل يصبح هذا حكما بغير ما انزل الله؟
بالطبع ليس الامر كذلك، و لكننا نفترض هنا، ان الدوله بوصفها اطارا سياسيا يحتضن حركة مجتمع، تمثل موضوعا تختلف مقاربتة عن الفقة الفردي، و عند ذلك البعد الاجتماعى للدولة، تصبح اراء المجتهدين تراثا قانونيا فجعبه البدائل الممكنة؛ لكونة ناتجا من اجتهاد صحيح، و بالامكان اعتمادة عند تركيب القانون الذي ينبغى ان يلاحظ الواقع بكل تعقيداتة و تشعباته.
قد يقول قائل اننا نوفق بين الامرين الانفين، بان نلزم الدوله بالرجوع الى الاعلم، فلا نقع فالتناقض، و لا سيما انه اصبح جزءا من مسار التقليد عموما، بانه حيث يتوفي المرجع، يلزم المرجع الجديد، او يجيز البقاء على تقليد الميت، و يرجع فالمستجدات الى المرجع الجديد.
ولكن الامر فعالم الدوله ليس بهذه البساطة، و هذا لامور:
الاول: اننا نفترض هنا اختلاف انظار افراد المجتمع فمن يرجعون الية فالتقليد، و بالتالي ليس بالضروره ان يصبح الاعلم الذي ترجع الية الدولة، هو الاعلم بنظر قسم من افراد المجتمع على الاقل فباى مناط يتم الزامهم بما يناقض التزاماتهم الفقهية؟!
الثاني: ان عمر الدول اكبر من عمر الافراد، و هو يقاس باجيال متعاقبة، و لا بد لكل دوله من قانون يشكل اساسا فانضباط حركة المجتمع، بحيث يتحول الى نظام حياة، و من المعلوم ان رحيل الفقية الاعلم حسب تلك النظريه و مجيء فقية احدث هو الاعلم فالاحياء، سيجعل المواد القانونيه عرضه للتبدل، طبقا للراى الجديد، تبعا للنظريه المتبناه فجواز البقاء على تقليد الميت او و جوبة او حرمته، و ذلك يعرض حياة المجتمع و الدوله نفسها للاهتزاز.
اذ انه بالنظر الى تاثير القوانين فحياة الافراد، بمعزل عن البعد الاجتماعى للمسالة، تؤسس قوانين الدوله لشبكه من العلاقات التي يرتبط بعضها ببعض، و تؤدى الى التزامات ربما تتجاوز حياة الافراد، و ذلك يعني ان اي تبدل فالقوانين تبعا لتبدل المرجع، سيؤدى الى اختلال الحياة الاجتماعيه بشكل و باخر.
الثالث: لو فرضنا ان فتوي البقاء على تقليد الميت اوجدت الثبات للقوانين، باعتبار استمرار التقليد السابق، فماذا نصنع بالاجيال التي ستقلد المرجع الجديد طبقا لنظريه عدم جواز تقليد الميت ابتداء؟ و ماذا سيصبح حال الدوله عندما يكتشف افراد المجتمع و جوب العدول الى الحى لكونة اعلم، طبقا للنظريه التي تقول بذلك؟
ثم ماذا لو كان راى المرجع الاعلم هو عدم شرعيه الدوله الاسلاميه فعصر الغيبه مثلا، فهل يجعلنا هذا نختار غيرة مع انه الاعلم على الفرض؟ و باى ملاك نختارة عندئذ؟!
ولو كان المرجع الجديد او الاعلم الحالي، يفتى بوجوب دفن اموال الخمس (الضرائب الماليه الشرعية)، و عدم جواز التصرف فيها فعصر الغيبة، فاى اقتصاد ممكن ان يقوم للدوله حينئذ؟!
الرابع: ربما ممكن افتراض حل المشكلة بالرجوع الى العناوين الثانوية التي تجمد الاحكام الاوليه لصالح الظروف الموضوعيه التي تقتضى حكما على خلافها.
ولكن ذلك الامر لا يحل المشكلة من الناحيه النظريه الشرعية، لان الاحكام الثانوية انما هي احكام استثنائيه يلجا اليها للخروج من الظروف الضاغطه تبعا لقواعد التزاحم، و نحن نتحدث هنا عن قانون عام يمثل الاحكام الاوليه التي ستكتسب ديمومه معينة، و الدوله هي التي تضع قواعد الحركة داخليا على الاقل اضافه الى ان الظروف الضاغطه ليست على نحو واحد بالنسبة الى جميع افراد المجتمع، فاذا كان الحكم ثانويا بالنسبة الى افراد، فقد لا يصبح ايضا بالنسبة الى افراد اخرين.
بل اننا نفترض هنا، ان الاستثناء عندما يراد له ان يتحول الى قاعدة، يفقد شرعيته، و يكون لازما على المجتمع ان يغير هذا الواقع الضاغط ضمن اليات الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و هو ما يحتاج الى بحث مفصل ليس هنا مقامه.
وان ابينا ذلك، فيكفى اللجوء الى الاحكام الثانوية، و تثبيتها كقاعده للتشريع، دليلا على صحة ما نفترضة من الاختلاف بين فقة الفرد و فقة المجتمع، لان الحكم الثانوي هنا ليس فطول الراي، و انما فعرض الراى الواجب اتباعه؛ فتامل.
ما نريد تاكيدة فنهاية المطاف، هو ان تلك الخلفيه فالتفريق بين فقة الفرد و فقة الدوله و المجتمع بوصفهما الاجتماعي، هي التي تبرر للسيد الشهيد ما ذهب الية من القاعده التي يستند اليها صوغ القوانين فالدوله الاسلامية، و ذلك يعني اننا امام نوعين من الموضوعات يفرضان مقاربتين مختلفتين؛ المكلف الفرد، و الكيان الاجتماعى او السياسى او الاقتصاد او ما الى ذلك، و هو ما يفتح بابا من الضروري البناء عليه و مقاربتة بروح علميه نقديه موضوعية.
واذكر فهذا المجال ما سمعتة من السيد محمد حسين فضل الله (ره) فجديدة الى بعض قيادات الجمهوريه الاسلاميه فايران، بانه يلزمهم لبناء الدوله و تثبيت القانون، تبنى ثلاث نظريات فقهية:
1 جواز تقليد الميت ابتداء.
2 عدم و جوب تقليد الاعلم.
3 اذا اختلف المجتهدون فالفتوى، فالحكم هو التخيير، و ليس الاحتياط.
وايا يكن الحال، فالسؤال هو فالمبرر الذي يسمح بفرض قانون يتناقض مع التزام الافراد، الذي ربما يتوافق مع هذي الفتاوى، و ربما لا يتوافق بطبيعه الحال.
ولعل بالامكان هنا، ان نشعر بضروره جعل هذي الاشكاليات جزءا من الاسئله التي تواجة الفقية حين استنباطة الحكم فهذه المسائل الثلاث، لاننا ندرك سلفا ان اي نظريه لا ممكن ان يتبناها الفقية الا بعد التفكير مليا فالاشكاليات المترتبه عليها، مما ربما يتحكم بميل نظر الفقية نحو نظريه دون اخرى. و بعبارة اخرى: لا ممكن تجاوز تلك الاشكالات فاصل البحث عن اي من المسائل الثلاث، انطلاقا من فرضيه تقضى بضروره عدم التخالف بين فقة الفرد و فقة المجتمع بالنتيجة، و ذلك امر احدث اشرنا اليه، و له مجال بحث اخر.
النقطه الثالثة: موقع المرجعيه فالدوله الاسلامية
علي ضوء ما تقدم من التفريق بين فقة الفرد و فقة المجتمع، ربما نستطيع ان نلمح موقع تنظير السيد الشهيد(ره) لموقع المرجعيه فالدوله الاسلامية، حيث يحدد(ره) للمرجع و ظائف متعددة، تشكل بمجموعها حالة اشرافيه ضابطه لحسن سير ادارتها، بوصفها “المعبر الشرعى عن الاسلام، و النائب العام عن الامام [المعصوم] من الناحيه الشرعية”6، و هذي الوظائف كالتالي7:
1 هو “الممثل الاعلي للدولة، و القاعد الاعلي للجيش”.
2 “تعيين الموقف الدستورى للشريعه الاسلامية”.
3 “البت فدستوريه القوانين التي يعينها مجلس اهل الحل و العقد لملء منطقة الفراغ”.
4 ضبط الانحراف عن الدستور عبر “انشاء محكمه عليا للمحاسبه فكل مخالفه محتمله فالمجالات السابقة”.
5 انشاء نظام قضائى سماة الشهيد الصدر “ديوان المظالم فكل البلاد، لدراسه لوائح الشكاوي و المتظلمين و اجراء المناسب بشانها”.
لكن ما يلفت فتنظير السيد الشهيد لعمل المرجع فضمن الدوله الاسلامية، هو ان المرجعيه تمارس اعمالها من اثناء مجلس تؤلفة هي، و يضم “مئه من المثقفين الروحانيين، و يشتمل على عدد من افاضل العلماء فالحوزة، و عدد من افاضل العلماء الوكلاء، و عدد من افاضل الخطباء و المؤلفين و المفكرين الاسلاميين، على ان يضم المجلس ما لا يقل عن عشره من المجتهدين”8.
ولعل ذلك يحيلنا الى ما سسه المرجعية، و تحويلها من عملية ادارة فردية، الى بناء اجتماعى مؤسسي، يملك استمراريه و ديمومه و دقه اكبر فالاطلاله على الواقع السياسى و الاجتماعى و القانونى المعقد للدولة. و من الطبيعي ان هذا يفرض صوغ اليات عمل تعتمد الصيغه المؤسسيه لتشخيص الواقع، و امداد المرجع بالمعطيات اللازمة، و تحديد الفرضيات و البدائل ضمن تفكير جماعى يطرح مختلف و جهات النظر حول اي مساله او موضوع، بحيث يكون نظر الفقية او المجتهد او المرجع، اكثر دقه و احاطه بمشارب الامور.
وبذلك، يدخل الشهيد الصدر(ره) التشريع ضمن نظام الدوله فعملية منظمه و محسوبة، فلا تبقي حركة المرجعيه فعرض حركة الدولة، و فالوقت نفسه، يحفظ للمرجع موقعة و مكانتة و استقلاليتة عن حركة الدولة، و هذا بان يصبح الترشيح و التعيين خاضعا لحركة شعبية عفوية، سواء من اثناء تنوع الفئات غير المنضويه تحت اي منصب رسمي، او من اثناء الانتخاب المباشر من الناس اذا ما اريد اختيار مرجع بين متعددين.
ومن المهم الاشاره الى ان المرجعيه فتاريخها العملى ليست بعيده عن النظام، و لكنة النظام المنسجم مع وجود دوله تتحرك خارج الفلك الاسلامي، سواء بالانتماء او التطبيق، و حفظ الاسلام حينئذ يتطلب ذلك النوع من النظام الموازى لعمل المرجعية. و لكن الامر يستحق التامل بعد تحول المرجعيه من حالة المعارضه للواقع السياسى القائم، الى حالة انسجامها و لو بالجمله مع المبادئ التي تلتزمها الدولة، و امتلاكها قدره التاثير المباشر فصوغ النظام السياسي، او فحركة العملية السياسية بخطها العام و الكلي. و عندئذ، لا بد من التفكير الجدى فاعاده انتاج التنظيم بما يكفل تحقيق امرين: استفاده المرجعيه من عمل الدوله عبر مؤسساتها المتنوعة، لتاكيد المبادئ التي تدعو اليها المرجعية، و ضمان الموقع الاشرافى و الرقابي للمرجعيه على حسن سير الدولة، و عدم جعلها جزءا من عملية ادارة الدولة، او خاضعه لسلطتها السياسية كما تخضع اي مؤسسة اخرى.
انتخاب مرجع الدوله و تعيينه
اما بالنسبة الى اليات تعيين المرجع و انتخابه، فنجد انها لا علاقه لها بالمكلف بصفتة الفردية، و انما لها علاقه بالمجتمع ككل، حيث يري السيد الشهيد(ره) ان يتم ترشيحة من “اكثريه اعضاء مجلس المرجعية، و يؤيد الترشيح من قبل عدد كبير من العاملين فالحقول الدينيه يحدد دستوريا كعلماء و طلبه فالحوزه و علماء و كلاء و ائمه مساجد و خطباء و مؤلفين و مفكرين دينيين”، اما اذا تعددت “المرجعيات المتكافئه من ناحيه الشروط”، فهنا يرجع السيد الشهيد(ره) “الي الامه امر التعيين، من اثناء استفتاء شعبى عام”9.
ومن المهم لنا التوقف مليا عند الشروط التي يضعها السيد الشهيد(ره) للمرجع الذي يصبح الممثل الشرعى للدوله الاسلامية؛ اذ يعتبر(ره) ان “المرجعيه حقيقة اجتماعيه موضوعيه فالامة، تقوم على اساس الموازين الشرعيه العامة”، و لعل فقوله “الموازين الشرعيه العامة”، ما يشى باختلاف مرجع الفرد عن مرجع الدولة، و هو ما لمسناة جليا فتحديدة للاتي.
يقول(ره) بان المرجعيه “كمقوله عليا للدوله الاسلامية”، تحتم ان يتوفر فالشخص الذي يجسدها امور:
1 “صفات المرجع الديني، من الاجتهاد المطلق و العدالة”، و لا يتحدث هنا عن شرط الاعلمية.
2 “ان يصبح خطة الفكرى من اثناء مؤلفاتة و ابحاثه، و اضحا فالايمان بالدوله الاسلاميه و ضروره حمايتها”، و ذلك يعني ابعاد مساله شرعيه الدوله الاسلاميه فعصر الغيبه عن ساحه الاجتهاد الذي تختلف به الانظار، و يتم افتراضة امرا مسلم الوجود، و ذلك احدي الاشكاليات التي تقف امام الفقة الفردي، كما ذكرناة انفا.
3 “ان تكون مرجعيتة بالفعل فالامه بالطرق المتبعه تاريخيا”.
ان ما تقدم يعني اننا امام صيغه حديثة للمرجعيه عندما يرتبط الامر بالدوله و النظام السياسي، تختلف عن صيغه المرجعيه الفرديه المتبعه تاريخيا، و هو امر لم يكن ليتيسر التفكير به لولا الركون الى خلفيه الفرق بين عملية ادارة شؤون الافراد من الناحيه الشرعية، و ادارة شؤون الامه و المجتمع، او الفرق بين جعل مقال الاجتهاد هو تكليف الفرد، و جعل موضوعة تنظيم وضع الامة.
نحن لا نتحدث هنا عن اختلاف اليات الاستنباط، و انما نتحدث عن فروق بين الموضوعين ربما تفرض على الفقية ملاحظتها، و من الواضح فقهيا ان تبدل الموضوعات اساس لتبدل الاحكام، و هنا، لا يمكننا ان ننزل الدوله بيت =الفرد مثلا، و نثبت الاحكام المتعلقه بسلوكة بما لا يرتبط بسلوك الاخرين الا من ناحيه فردية، بينما المجتمع يجعل ترابط افعال الناس و اتجاهاتهم عبارة عن شبكه مترابطة، بحيث لا ممكن التفكيك بين فرد و اخر.
وربما لاجل هذا ربما نلمح ان دور المرجع فتنظير الشهيد الصدر(ره) هو دور المشرف على الدولة. و الاشراف مفهوم مرتبط بحالة الشهاده على التجربه بوصفها الكلي، و لكنة لا يتدخل فتفاصيل ادارة العملية السياسية، و هو يستوحى ذلك البعد من قوله تعالى: {وايضا جعلناكم امه و سطا لتكونوا شهداء على الناس و يصبح الرسول عليكم شهيدا}10، حيث ربما يفهم ان موقعة النبوى يجعلة فموقع المشرف على تطبيق النظم بوصفها الكلي، و على صوغ بناء الدوله بنحو متوازن يضمن انضباط الاداء بما يحقق الاهداف المنشودة.
وبتعبير اخر، ربما نقرب ذلك الدور عبر مثال الهرم، حيث يتصل المرجع بالطبقه التي تحته، و هي جزء من مسؤولياتة المباشرة، فعندئذ، ممكن ان نفترض ان مسؤوليه الفقية او المرجع هو متابعة حسن سير الدوله عبر التواصل مع الاطر السياسية العليا، كرئيس الدوله و مجلس الوزراء، و ايضا السلطة التشريعية، فاداء عملها و مدي انسجامة مع الدستور، لا ان يتدخل فهذه الدائره او تلك، باعتبار ان و ظيفتة هي الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، لان المرجع ليس مكلفا عاديا ضمن الدولة، و انما هو راسها الذي ينبغى ان يحول دون ما يؤدى الى اختلال و ظائفها القائمة على توزيع الادوار و تسلسل الاطر.
وفى الامكان هنا ان نشير الى محوريه التنظيم فعقل الشهيد الصدر(ره)، حيث يقول: “ان تجميع الجهود من اجل الاسلام و تنسيقها بحكمة، و اختيار الكيفية الاروع لتنظيم ذلك، ليس مجرد امر جائز فعصرنا و حسب، بل هو و اجب، ما دام تغيير المجتمع و تعبيدة لله و مجابهه الكفر المنظم متوقفا عليه”11، و هذي هي كيفية العقلاء فادارة امور حياتهم الاجتماعيه و السياسية و غيرها، و هي التي استقر عليها الفكر المؤسسي، حيث ان النظام القائم على توزيع الادوار بين الافراد هو الوسيله التي من خلالها يستطيع المجتمع ان يحقق الاهداف الكبري بسرعه قياسية، فحين انه من غير الممكن تحقيق هذي الاهداف من قبل اي فرد، مهما بلغ شانه، فالمرحلة العمريه التي يعيش فيها.
النقطه الرابعة: الامه و دورها فبناء الدولة
يفرد السيد الشهيد(ره) فتنظيرة لبناء الدوله الاسلاميه مساحه مهمه للامة، و لا يجعل دورها مقتصرا على الانفعال، بما ينزل اليها من الاطر العليا فقط، بل لها الدور نفسة المنوط بالمرجع فكونة الخليفة، بل ان المرجع نفسة هو جزء من الامة، و يملك درجه متقدمه عليها، انطلاقا من خصوصيه ما يملك من علم و كفاءه متقدمه عليها.
ينطلق السيد الشهيد(ره) فبيان دور الامه من فكرة التراتبيه فالسلطات، بدءا من الله الذي له الامر و الحكم كله، بعدها بما ثبت بالنص و التشخيص، كما فو لايه النبي(ص) او و لايه ائمه اهل المنزل(ع). اما عندما يغيب المعين، فان الحكم يرجع الى الامة، باعتبارها صاحبه الحق فممارسه السلطتين التشريعيه و التنفيذيه التي يعينها الدستور، استنادا الى استخلاف الله تعالى لها، قد لما و رد فالقران الكريم فايه الاستخلاف: {واذ قال ربك للملائكه انني جاعل فالارض خليفة}12، حيث يقول الشهيد الصدر(ره): “الخلافه التي تتحدث عنها الايات الشريفه المذكورة13، ليست استخلافا لشخص ادم(ع)، بل للجنس البشرى كله، لان من يفسد فالارض و يسفك الدماء و فقا لمخاوف الملائكه ليس ادم بالذات، بل الادميه و الانسانيه على امتدادها التاريخي. فالخلافه اذا، ربما اعطيت للانسانيه على و جة الارض”14.
ثم يقول(ره): “واستخلاف الله تعالى خليفه فالارض، لا يعني استخلافة على الارض فحسب، بل يشمل ذلك الاستخلاف جميع ما للمستخلف سبحانة و تعالى من حاجات تعود اليه، و الله هو رب الارض و خيرات الارض، و رب الانسان و الحيوان و جميع دابه تنتشر فارجاء الكون الفسيح، و ذلك يعني ان خليفه الله فالارض مستخلف على جميع هذي الاشياء”. و يستنتج السيد الشهيد(ره) من جميع ذلك، ان “الخلافه فالقران اساس للحكم”، و ان “الحكم بين الناس متفرع على جعل الخلافة”15، و يخلص الى ان مفهوم الاسلام الاساس عن الخلافه هو الاتي: “ان الله سبحانة و تعالى اناب الجماعة البشريه فالحكم، و قياده الكون و اعمارة اجتماعيا و طبيعيا، و على ذلك الاساس، تقوم نظريه حكم الناس لانفسهم، و شرعيه ممارسه الجماعة البشريه حكم نفسها، بوصفها خليفه عن الله”16.
ولكن ذلك الاستخلاف ليس مطلقا، بحيث يصبح خاضعا لامزجه “الخلفاء”، و انما يقوم على قاعده مرتبطه بالمستخلف نفسه، و هذا و فق الاتي17:
اولا: رابطه الايمان بالله تعالى و حدة سيدا و ما لكا.
ثانيا: الحريه الانسانيه من “عبوديه الاسماء التي تمثل الوان الاستغلال و الجهل و الطاغوت”.
ثالثا: التكافؤ فالكرامه الانسانيه و الحقوق على قاعده “الاخوه العامة فكل العلاقات الاجتماعية”.
رابعا: الخلافه استئمان يفترض “المسؤوليه و الاحساس بالواجب”، على ان تتقيد هذي المسؤوليه بالحكم بالحق، و ان “تؤدى الى الله تعالى امانتة بتطبيق احكامة على عبادة و بلاده”.
وبذلك، يضع السيد الشهيد(ره) خطا فاصلا تتميز من خلالة “خلافه الجماعة بمفهومها القرانى و الاسلامي، عن حكم الجماعة فالانظمه الديمقراطيه الغربية، فان الجماعة فهذه الانظمه هي صاحبه السيادة، و لا تنوب عن الله فممارستها، و يترتب على هذا انها ليست مسؤوله بين يدى احد، و غير ملزمه بمقياس موضوعى فالحكم، بل يكفى ان تتفق على شيء، و لو كان ذلك الشيء مخالفا لمصلحتها و لكرامتها عموما، او مخالفا لمصلحه جزء من الجماعة و كرامته، ما دام ذلك الجزء ربما تنازل عن مصلحتة و كرامته”18.
ويتحدث السيد الشهيد(ره) عن ان الامه هي صاحبه الحق فممارسه السلطة التشريعيه و التنفيذية، و ان ذلك الحق منبثق من فكرة الخلافه العامة مما اشرنا الية سابقا فيقول ما لفظه: “تمارس الامه دورها فالخلافه فالاطار التشريعى للقاعدتين القرانيتين الاتيتين: {وامرهم شوري بينهم}19، {والمؤمنون و المؤمنات بعضهم اولياء بعض يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر}20، فان النص الاول يعطى للامه صالحيه ممارسه امورها عن طريق الشوري ما لم يرد نصف خاص على خلاف ذلك، و النص الثاني يتحدث عن الولاية، و ان جميع مؤمن و لى الاخرين، و يريد بالولايه تولى اموره، بقرينه تفريع الامر بالمعروف و النهى عن المنكر عليه، و النص ظاهر فسريان الولايه بين جميع المؤمنين و المؤمنات بصورة متساوية، و ينتج من هذا الاخذ بمبدا الشوري و براى الاكثريه عند الاختلاف”21.
وبذلك، تتحول مساله الشوري الى اليه ضرورية لممارسه الامه حق الاستخلاف، و هي تفترض ان يصبح شكل نظام الحكم شكلا قائما على مبدا الشورى، و هي تعني عمليا، استثمار تعدد و جهات النظر و الخصوصيات و التخصصات، فسبيل تحقيق اعلي قدر من الموضوعيه فتشخيص الواقع و تحديد الاحكام و تطبيق المصالح، و هذا ضمن الحدود الشرعيه بطبيعه الحال، و الا فانها ستناقض مبدا الاستخلاف القائم على تحقيق اراده الله تعالى على الارض.
واذا كانت الايات المباركه او الروايات لم تحدد شكلا معينا للحكم الاسلامي، فان اليه الشوري تفرض ان يتحول الحكم الى نظام شوري، و لكن الشكل يبقي امرا خاضعا لطبيعه الظروف الموضوعية، لان الهدف هو تحقيق مصلحه المجتمع و الامه على ضوء القيم الاسلاميه و الانسانيه المستنده الى تعاليم السماء. و عندما نتحدث عن النظام الشوري، فنحن نفترض هنا، ان الشوري لا تمثل فعلا ساذجا يطلع به بعض على راى البعض الاخر، و انما هي عملية منظمه تدخل فصلب عمل الدوله المنظم ضمن مؤسسات و اطر تتناغم فيما بينها، بحيث تكون المحصله اقرب ما تكون الى الواقع و الحق و العدل.
ولعل السيد الشهيد(ره) هنا لا يتبني نظريه الشوري فمقابل و لايه الفقيه، اذ يذكر فكتابة “الفتاوي الواضحة”، ان “المجتهد اذا توفرت به سائر الشروط الشرعيه فمرجع التقليد… جاز للمكلف ان يقلدة كما تقدم، و كانت له الولايه الشرعيه العامة فشؤون المسلمين، شريطه ان يصبح كفوءا لذا من الناحيه الدينيه و الواقعيه معا”22، فان من الواضح لنا ان هذا لم يلغ اعتبار الشوري كاليه فادارة المرجع نفسة لشؤون و لايته، كما تقدم انفا، و نحسب هذا منطلقا من و عى طبيعه ما يقتضية النظام المرتبط بحركة الدوله و المجتمع.
ان و لايه الفقية التي تخرج لنا فكتاب “الاسلام يقود الحياة”، ليست مساله فقهيه يتم بها اثبات اصل الولايه و تنتهى المهمه عند ذلك، بل هي مساله نظاميه لا بد من ان تجد مكانها الملائم فعمل الدولة، بحيث تؤدى و ظيفتها كضابط عام لاسلاميه الحركة، و شرعيه الادارة السياسية و الاجتماعيه و الاقتصاديه و ما الى ذلك، بما يضمن حسن سير الدوله بكل اجهزتها، على طبق مواد الدستور، و مراعاتها للنظام المقر فطريقة التشريع و الادارة و تحقيق مصالح المجتمع و الامة.
ولعلنا نستطيع ان نتبين الاساس الذي بني عليه السيد الشيهد(ره) ذلك التوجه، عندما نلاحظ الفروق التي ذكرها لخط الشهاده بين الانبياء و الائمه و بين المراجع، حيث ان المرجع “هو الانسان الذي اكتسب من اثناء جهد بشرى و معاناه طويله الامد استيعابا حيا و شاملا و متحركا للاسلام و مصادره، و ورعا معمقا يروض نفسة عليه حتي يكون قوه تتحكم فكل و جودة و سلوكه، و وعيا دينيا رشيدا على الواقع و ما يزخر فيه من ظروف و ملابسات ليصبح شهيدا عليه”، خلافا لموقع النبوه و الامامة، “فانهما رابطتان ربانيتان بين الله تعالى و الانسان النبى او الانسان الامام، و لا ممكن اكتساب هذي الرابطه بالسعى و الجهد و الترويض”، كما ان هذا الورع و الرياضه لدي المرجع، لا تبلغ فيه حد العصمة، و لا تجعلة “مصونا من الخطا بحال من الاحوال”، و لذا يحتاج الى “شهيد و مقياس موضوعي”، و ربما نخلص الى ان هذا ليس مرتبطا بالعداله و الوعى و الكفاءه من حيث الملكات و الصفات النفسيه فحسب، و انما من اثناء طبيعه الاليات التي تضمن تحقق تلك الشهاده و هذا المقياس الموضوعى باعلي قدر من الدقه و الموضوعيه من الناحيه العملية و الواقعية.
ان التنظير لعالم المرجعيه فضمن الدولة، يحتم علينا القول بان “دور المرجع كشهيد على الامة”، انما يبتنى على كونة صاحب الصلاحيه للدور الربانى الذي “لا ممكن التخلى عنه”، و ان هذا الدور هو دور اساس “فى اطار الخلافه العامة للانسان على الارض”، باعتبارة الواسطه فاثبات ما يريدة المستخلف بما علمة من كتاب الله عبر حركة اجتهاده، و لكنة كما يقول الشهيد الصدر(ره) “دور بشرى اجتماعي، يستمد قيمتة و عمقة من مدي وجود الشخص فالامة، و ثقتة بقيادتة الاجتماعيه و السياسية”23.
وبذلك، تتكامل المسؤوليه فنظر السيد الشهيد(ره) بين خطين: “المرجع و الامة”، و يتحقق هذا عمليا ف“الاجتهاد الشرعى و الشوري الزمنية”، فلا تمارس الامه خلافتها بدون شهيد يضمن عدم انحرافها، و يشرف على سلامة المسيرة، و يحدد لها معالم الطريق من الناحيه الاسلامية، و لم يشا من الناحيه الثانية =ان يحصر الخطين معا ففرد ما لم يكن ذلك الفرد مطلقا، اي معصوما”24.
عناصر الدوله الاسلامية
الي هنا، ربما نستطيع ان نستنتج العناصر الضرورية فعملية بناء الدوله الاسلاميه و فحركتها، بما يضمن استمراريه ادائها لمسؤولياتها فخط الخلافه الالهيه الممنوحه لها:
1 المرجعيه بواقعها المنظم الذي تمثل به موقع المشرف و الموجه، و الضابط لحسن سير الدوله بنظامها و حركتها على طبق الدستور و القوانين المرعيه الاجراء و المنسجمه مع الشريعه الاسلامية.
2 النظام المؤسسى الذي يشكل عنصر ترابط فعمل اجهزة الدوله من اعلي الهرم الى قاعدته، و تشكل اليه الشوري امرا محوريا فيه.
3 الامه بوصفها تملك الحق فالخلافة، و الذي يستتبع مسؤوليه ربانيه فممارسه السلطتين التشريعيه و التنفيذية.
وفى الختام، نذكر بان ذلك البحث كان عبارة عن قراءه تحليلية موجزه لبعض الافكار التي سجلها السيد الشهيد(ره) فاواخر حياتة المباركة، و التي ممكن لها ان تؤسس لحراك فكرى بناء، يجعل اطروحتة القاعده التي تنطلق منها عملية بناء الدولة، فمرحلة حساسه من تاريخ العراق و المنطقة؛ و الله من و راء القصد.