جاء ديننا الحنيف سمحا، نقيا، خاليا من الشوائب والنقائص، فهو يحترم كل البشر والاجناس، ومقياس
التفاضل فيه يرجع الى التقوى والدين، لا للعرق او اللون. كما دعا رسولنا -صلى الله
عليه وسلم- المسلمين الى التاخي مع بعضهم، دون تمييز او تجانب، وطلب منهم الولاء لبعضهم
والنصرة، دون عصبية قبلية، او حمية عشائرية، فهذه الامور المشبوهة جاءت من الجاهلية، وعلينا نبذها،
كما امرنا الحبيب محمد. حيث جاء في الاثر: عن جابر بن عبد الله -رضي الله
عنهما-، قال: كنا في غزاة -قال سفيان: مرة في جيش- فكسع رجل من المهاجرين رجلا
من الانصار، فقال الانصاري: يا للانصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- فقال: “ما بال دعوى الجاهلية” قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من
المهاجرين رجلا من الانصار، فقال: “دعوها فانها منتنة” فسمع بذلك عبد الله بن ابي، فقال:
فعلوها، اما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل، فبلغ النبي -صلى الله
عليه وسلم- فقام عمر فقال: يا رسول الله، دعني اضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي
-صلى الله عليه وسلم- : “دعه، لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه”. اخرجه البخاري.
لقد جاء الاسلام ليقضي على هذه الظاهرة المنبوذة حقا، فساوى بين الجميع، بل وانصف كل
الناس والامم، الابيض والاسود، الفقير والغني، القوي والضعيف، لا احد يتجاوز الحق، ولا احد يحيد
عنه. والنصرة والولاء تكون للمحق، او المظلوم مهما كانت منزلته، اما الظالم والباغي؛ فلا احد
ينصره بظلمه، حتى وان كان سيد قومه. هكذا هو الاسلام، وضع الجميع تحت راية واحدة،
راية التوحيد: لا اله الا الله ، وكل الناس تحتها سواسية، ولا يسمح بالعصبية القبلية
او العشائرية، حتى لو كانت قريش سيدة المجتمع، فدعواها مردودة. ان هذه العقيدة جمعت بلال
الحبشي مع سادة قريش من المسلمين، دون تفرقة، وكما جمعت صهيب الرومي الاعجمي مع اخوانه
من المسلمين العرب، بكل حب وترحاب، ودون تمييز وتحابب لاحد. وقد اعتبر النبي -صلى الله
عليه وسلم- ان الذي يدعو للعصبية القبلية خارجا من دائرة الايمان والتوحيد، الى الكفر والعياذ
بالله، حيث بين انه ليس منا ولا من كل المسلمين من دعا الى عصبية، او
قاتل على عصبية، او مات على عصبية كما جاء ذلك في الاثر. وبعد ان قضى
النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه النعرة الخبيثة، انتهت واختفت، حتى مات -صلى الله
عليه وسلم- وهو يردد: “كل دم في الجاهلية موضوع”، فالتزم المسلمون ذلك، الا انها عادت
بعد فترة وجيزة ، لان التربية الايمانية القرانية لم تلامس كثيرا من القلوب الواجفة، فقد
ظهرت ضمن مظاهر متعددة تجلت وبرزت تلك الدعوى المنتنة، من خلال: حروب الردة. الاعجاب بالغرب،
وثقافاتهم، والتفرقة بينهم وبين المسلمين. العصر الاموي وحياته المتعلقة بالترف والملوك والعبيد. احقاد بعض الشعوب.
العصبية القومية والوطنية في العصر الحديث. كل هذه الامور كانت مدعاة لظهور العصبية القبلية، والحزبية
الواضحة، الى يومنا هذا، مع وجود ضعف للدين في النفوس، وميل للترف، وحب العز والجاه،
والكبر على من دونهم.
- اجمل تواشيح دنية