خطبة الجمعة اهمية اختيار الصاحب في الاسلام
الحمد لله الذي غمر صفوة عباده بلطائف التخصيص طولا وٱمتنانا، والف بين قلوبهم فاصبحوا بنعمته
اخوانا، ونزع الغل من صدورهم فظلوا في الدنيا اصدقاء واخدانا وفي الاخرة رفقاء وخلانا واشهد
ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا
ند له. واشهد ان سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة اعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى سائر اخوانه من النبيين والمرسلين وعلى ءال كل وصحب
كل وسلم.
اما بعد عباد الله، فاني اوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه
﴿الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين﴾ [سورة الزخرف/67].
الله تبارك وتعالى اخبرنا في هذه الاية الكريمة ان الذين كانوا في هذه الدنيا اخلاء
واحبابا واصحابا ينقلبون في الاخرة اعداء لعظم اهوال يوم القيامة وشدة خوفهم فيها فيتعادى ويتباغض
كل خليل كان في الدنيا على غير تقى مع خليله لانه يرى ان الضرر قد
دخل عليه من قبل خليله، الا المتقين فان مودتهم تبقى بينهم في الاخرة وينتفع كل
واحد منهم بصاحبه.
المتقون اخوة الايمان هم الذين يقومون بحقوق الله وحقوق العباد، وذلك باداء ما افترض الله
عليهم وٱجتناب ما حرم عليهم وبمعاملة العباد معاملة صحيحة موافقة لشرع الله فهؤلاء من شانهم
انهم يتواصون ويتعاونون على ما يرضي الله تعالى، يجتمعون على الطاعة ويتفرقون عليها لا يغش
ولا يخون بعضهم بعضا ولا يدل بعضهم بعضا على بدعة ضلالة او فسق او فجور
او ظلم، جمعهم حب الله واحب كل واحد منهم اخاه لوجه الله فتصافوا الحب في
الله، واعلم كل واحد منهم اخاه انه يحبه في الله تعالى عملا بقوله صلى الله
عليه وسلم اذا احب احدكم اخاه فليعلمه اه رواه الترمذي، ثم ان حصلت من احدهم
معصية ينهاه اخوه ويزجره ففي ذلك اعانة لاخيه المؤمن على الخير.
شرح حديث المرء على دين خليله
وروى ابو يعلى وعبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قيل يا
رسول الله اي جلسائنا خير؟ قال من ذكركم بالله رؤيته، وزادكم في علمكم منطقه، وذكركم
بالاخرة عمله اه فمن مثل هؤلاء اختر صاحبك وذلك لان اكثر ما يعينك على الطاعات
مخالطة المطيعين واكثر ما يدخلك في الذنب مخالطة المذنبين كما قال عليه الصلاة والسلام المرء
على دين خليله، فلينظر احدكم من يخالل اه[رواه احمد في مسنده] والنفس من شانها المحاكاة
والتشبه بصفات من قارنها فصحبة الغافلين سبب لحصول الغفلة، وقد قال الامام مالك لا تصحب
فاجرا لئلا تتعلم من فجوره اه وقد قال ابن رشد لا ينبغي ان يصحب الا
من يقتدى به في دينه وخيره؛ لان قرين السوء يردي. فاياك ان تصاحب من لا
تثق به وبامانته وتعرف صلاحه وتقواه فان المرء يكون في الاخرة مع من احب.
وينبغي ان يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال ان يكون عاقلا حسن الخلق لا فاسقا
ولا مبتدعا ولا حريصا على الدنيا. فاما العقل، فهو راس المال، ولا خير في صحبة
الاحمق، لانه يريد ان ينفعك فيضرك، واما حسن الخلق فلا بد منه، اذ رب عاقل
يغلبه غضب او شهوة فيطيع هواه فلا خير في صحبته. واما الفاسق، فانه لا يخاف
الله ومن لا يخاف الله تعالى لا تؤمن غائلته ولا يوثق به. واما المبتدع فيخاف
من صحبته سريان بدعته.
ومن حق الصحبة الايثار بالمال، وبذل الفاضل منه عند حاجة صاحبه اليه، ويروى ان فتحا
الموصلي جاء الى صديق له يقال له عيسى التمار، فلم يجده في المنزل، فقال للخادمة
اخرجي لي كيس اخي، فاخرجته فاخذ منه درهمين، وجاء عيسى الى منزله فاخبرته الجارية بذلك
فقال من فرحه ان كنت صادقة فانت حرة، فنظر فاذا هي قد صدقت فعتقت.
ومن حق الصحبة الاعانة بالنفس في الحاجات والمبادرة الى قضاء مصالحه من غير ان يحوجه
الى الطلب وذلك درجات ادناها القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة مع البشاشة والاستبشار، واوسطها القيام
بالحوائج من غير سؤال، واعلاها تقديم حوائجه على حوائج نفسه. وقد كان بعض السلف يتفقد
عيال اخيه بعد موته اربعين سنة فيقضي حوائجهم.
- خطب دينيه مكتوبه