ذكريات اسلاميه

سعاد حمزة



فى يوم ذكري ميلاد الشريف… تشرئب الاعناق… و تتراقص حبات القلوب… الى تلك البقعه الطاهرة… التي شهدت انبعاث نور المعرفه و الحكمه من حراء… فاتصلت الارض بالسماء، اتصالا قلب اوضاعها العفنة… فبدل خوفها امنا… و جهلها علما… و ضلالها هداية… و كفرها ايمانا.
انبعثت المعرفه من حراء تطوى الصفحات السود من تاريخ الانسان… الذي لطخ الارض بالدماء… و استعبد الضعفاء و الابرياء… و اطفا مصابيح العقل… و اوقد نيران الشهوات… و تحكم فالارزاق و الخيرات… يعطى و يمنع… و يرفع و يضع… استجابه لمقاييس او مفاهيم املاها الشيطان…. و اضاليل تبناها الانسان…
انبعثت المعرفه من حراء لتبطل ناموس الشعوذة… و تفتت صخور الكهانه و تعطل دولاب السلاليات… و اللونيات… فالانسانيه واحدة… بابيضها و اسودها و اصفرها. و احمرها… يكمل بعضها بعضا… و يعين بعضها بعضا…
انبعثت المعرفه من حراء لتعلم الانسان ان هنالك و راء قوه العضل… و جبروت المال… و فتك السلاح قوه ثانية =هي قوه الايمان… التي تربط بين الانسان و بين عالم النور و الصفاء و الخير و القوة… التي لا تفني و لا تزول…
انبعثت المعرفه من حراء لتصحح المفاهيم و المقاييس… و المعايير… و الديانات… و الافكار… و لتطلق العقل من سجنة الذي ظل محبوسا به طيله قرون طويلة… ليتاتي للوسطاء… و الكهنة… ان يبذلوا كلام الله… و يبعثوا بشجميلة و يطفئوا جذوه الطموح و الذكاء فالانسان…
اخذت المعرفه طريقها الى بطحاء مكة… تجمع تلك القلوب الحية… و تثير تلك الضمائر الطيبة… و تنادى تلك الاذان المرهفة… فغرست جذورها من اول يوم فاعماق الاعماق… و تمكنت من حبات القلوب… و حركت السواكن… بايات بينات تشع بالحكمة… و تنطق بالحق… و تجادل بالمنطق…
وكان الرسول عليه السلام الذي انبعثت الحكمه بين يدية فحراء… و شع نور المعرفه امام عينية بها… يعلم من اسرار النفوس… و طبائعها… ما جعل من سلوكة نحو الناس مثالا انسانيا حكيما… يسير فدعوتة سير الحكيم المتبصر… المتجرد… المؤمن… فيقطع المراحل… و يتجاوز الابعاد… و يذلل الصعاب سلاحة دائما الايمان و المعرفة.
وكونت مدرسة الرسول عليه السلام تلك الامثله الحيه من الرجال الافذاذ، الذين اقاموا الدليل العلمي القاطع على انه باستطاعه الانسان اذا شرب من معين المعرفه الحقيقيه المبنيه على الايمان و الطهر… ان يبلغ درجه الكمال الممكن فهذه الحياة.
وظلت المعرفه التي انبعثت من حراء شعله و هاجه فيد اولئك الذين كتبوا باعمالهم و جهودهم الصفحات الخالده من حضارة الاسلام… و ثقافه المسلمين…

2) – الاثار النبوية
لا يوجد قطر من اقطار الاسلام الا كنا نجد به قضية تشغل الاقلام و الالسنه حقبه طويله من الزمن… و هذي القضية هي قضية الاثار الشخصيه للرسول عليه السلام… من بردة… و نعل… و خاتم… و شعرات… و ما الى ذلك…
فالمعروف ان المسلمين احبوا الرسول عليه السلام و تفانوا فهذه المحبه و احبوا اثاره… و تفانوا فمحبتها و المحافظة عليها طيله قرون…
فحينما خلع بردتة الشريفه و البسها الشاعر كعب بن زهير… ظلت هذي البرده حديث الصحابه و التابعين… و تغالي الناس فشرائها من و رثه كعب… بعدها كانت من نصيب معاويه بن ابي سفيان الذي يذل فسبيل الحصول عليها اموالا طائلة… و صارت اهم شيء يتوارثة الخلفاء الامويون… و يتبركون به… فاذا خرج الخليفه الى صلاه الجمعة او العبد… جعلها فوق ظهرة تعظيما و تشريفا…
ثم انتقلت هذي البرده الى الدوله العباسيه و صارت شعار الخلفاء… يحيطونها بكل مظاهر التقديس و التكريم… و يجعلونها فاوعيه خاصة بلغت النهاية فالزخرفه و التزيين…
وحرصت الدوله العثمانيه ايام خلافتها على ان يمتلك الخلفاء الاتراك البرده التي كانت عند الخلفاء العباسيين… و كان المعروف انهم حصلوا على هذي البردة… و نقلوها الى (استانبول) و جعلوها فصندوق من ذهب مرصع بالجواهر… و افردوا لها حجره خاصة كانت تسمي حجره البرده الشريفة…ولم يكتف المؤرخون بالحديث عن البرده هاته… بل انهم تحدثوا عن القضيب الذي كان الرسول عليه السلام يحملة بيدة الشريفة… و ذكروا الايادى التي تداولتة قبل ان يصل الى الخلافه العثمانيه و كان هؤلاء يقولون انهم يملكونه… و يحملة بعضهم فيدة فبعض المواسم الدينية… !!
وهنالك الشعرات النبويه التي كانت معروفة فبلاد الهند و تحدث المؤرخون عنها و عن الامراء الذين كانوا يملكونها و يحافظون عليها تبركا فيها و يحيطونها بكل مظاهر التكريم… و ما زال هذا معروفا فالباكستان الى الان…
وهنالك حاجات ثانية =من الاثار النبويه الشريفه جعلت المؤلفين يهتمون فيها اهتماما بالغا… و يتتبعون اخبارها… و مراحلها منذ قرون… و يؤلفون فذلك كتبا معروفة عند الباحثين و الدارسين.
وهنا فالمغرب شغلت قضية النعال النبويه الشريفه حيزا كبيرا من الكتب و الاخبار… فالمعروف تاريخيا ان هنالك فمدينه فاس دارا تسمي (اقدام النبي) عليه السلام و هذي الدار ما زالت معروفة بهذا الاسم الى الان… بحى مجاور لحى مصمودة…
وكان اهل هذي الدار من الشرفاء الذين هاجروا الى المغرب من بلاد الاندلس… منذ عصر الموحدين و كانوا يملكون نعلين اثنين من نعال رسول الله صلى الله عليه و سلم… و ربما توارثوهما خلفا عن سلف منذ هاجروا من المشرق الى الاندلس.. فلما هاجروا الى المغرب صحبوا معهم هذي الذخيره الثمينة… فكانوا يطلعون عليها من رغب فذلك من الملوك و الامراء و الصلحاء و العلماء… و تحدث كثير من هؤلاء عن النعلين الشريفين و مشاهدتهم… و تبركهم بهما.
وصار الناس ففاس و فالمغرب عموما يرسمون رسما على الورق يمثل النعلين المحظوظين ف(دار اقدام النبي) و يزخرفون الرسم بماء الذهب و الالوان الزاهية… و يكتبون داخل الرسم كلمات و ابيات لتعظيم الرسول. و التبرك بنعليه الشريفين.
وشغلت قصة النعلين حيزا كبيرا من اهتمامات العلماء و المؤرخين… و ربما الف فذلك ابو العباس المقرى مؤلف نفح الطيب كتابا قيما سماه: “فتح المنعال فمدح النعال” و ذكر فهذا الكتاب حاجات طريفه و ممتعه من الاخبار و الاشعار المتعلقه بالنعال الشريفة.
وقد اطلعت على نسخه خطيه رائعة فريده من كتاب (فتح المنعال) فمكتبه عارف حكمت بالمدينه المنوره منذ سنتين… و وجدت المقرى ربما اجاد و افاد فهذا الكتاب… و بمقال النعلين الشريفين حقة من البحث و التنقيب و الافادة…
وهنالك علماء اخرون زاروا الدار التي فيها نعال الرسول ففاس و تبركوا فيها و نظموا قصائد بديعه فالمقال لا مجال لذكرها الان.
كما ان التاريخ يحدثنا ان ظروفا مرت بالمغرب استدعت ان يطلب الناس النعال النبويه ليقدموها شفيعا لاطفاء نيران الحقد و الغضب… و الاصلاح بين المتنازعين…
وهكذا كانت اثار المصطفى عليه السلام محل تقدير و تعظيم يتبرك الناس فيها و هذا دليل المحبه و الاخلاص للنبى الكريم الذي بعثة الله رحمه للعالمين…

3) – النواه الحضارية
حينما يكتب المؤلفون تاريخ الحضارة و الثقافه فالاسلام… ينسون او يتناسون العهد النبوي… الذي كان فالحقيقة النواه الحضاريه الاولي لكل ما جاء بعد من ازدهار ثقافى و حضارى عند المسلمين فامتداداتهم عبر القارات الثلاث…
ويخطئ جميع الخطا من يظن ان هذا العهد كان عهدا بدويا ساذجا… فانه لم يكن بدويا… و لا ساذجا برغم ان كثير من مظاهر البداوة… و السذاجه تحيط به…
فكتب السيره النبوية… و كتب الحديث الشريف… تحدثنا عن نظام دوله دينيه كانت لها سائر المقومات و المؤهلات و المرافق…
فهنالك جيش بقواده، و اعلامه، و معداته، و مخازنة للسلاح، و الميرة، و الدواب… و هنالك شرطة بالنهار… و عس بالليل… و سجن… و عقاب… و تعزير… و قاض و محتسب… و اسواق… و معاملات… و عقود… و التزامات…
ولكل هاتة الحاجات احكام و نظام…ونوازل نزلت… و وقائع و قعت… سجلتها كتب السيرة… و كتب الحديث… اما الصناعات فمكه و المدينه فقد كانت لهما جوانب اقتصاديه و حضاريه هامة…
حيث اننا نجد القيون… جمع قين بمعني الحداد الذي يصنع السيوف و الاسنه و الادوات الحديدية… الاخرى…
كما نجد الصاغة… جمع صائغ بمعني صانع الحلى و المجوهرات الثمينة. و هنالك البيطار…والجرائحي… و الحجام… و الصيرفي… و هنالك حرف ثانية =يكفى ان نشير اليها هنا كالنساج… و البناء… و النجار… و ما الى ذلك… فهذا مجتمع ليس بدويا و لا ساذجا…
وحينما انبعثت المعرفه من حراء… اصبحت رساله و امانه فعنق جميع مسلم… يؤديها بكل ما يملك من و سائل… ما ديه و معنوية… فلهذا دب فالمجتمع الذي نشا حول الدين الجديد تيار المعرفه يثير السبيل امام السائرين… و يرفع سجوف الانعزال امام الحائرين…
وكانت السنوات الثلاث و العشرون التي حمل بها الرسول عليه السلام لواء الدعوه بمنزله الاساس المكين و النواه الحضاريه الاولي لدوله المسلمين…

4) – كتابان عظيمان
كتابان عظيمان شهيران الفهما المغاربة، و طبقت شهرتهما ارجاء العالم الاسلامي منذ قرون… و الكتابان معا مؤلفان بروح التفانى فمحبه رسول الله صلى الله عليه و سلم… و ابراز شمائلة الكريمة… و صياغه هذا فاسلوب ادبى بديع…
الكتاب الاول هو كتاب الشفا فالتعريف بحقوق المصطفى… الفة القاضى ابو الفضل عياض السبتى دفين مدينه مراكش المتوفي فيها سنه 544 ه.
وكان عياض اماما فالفقه، بارعا فالحديث و اللغه و الادب و التاريخ… شاعرا، كاتبا، مفكرا… بهرتة شيم الرسول و اخلاقة و بلاغتة و احاديثة فالف كتاب “الشفا” و جمع به جميع شاذه و فاذه من الاخبار المتعلقه بشيمة و اخلاقه… و رتب كتابة ادق ترتيب فجاء كتابا مثاليا من النظام و الترتيب، جامعا لما تفرق فالكتب و المجامع…
واشتهر كتاب الشفا فسائر بقاع الارض فكانت نسخه الخطبة تعد بالالاف و صار عمدة و مصدرا و مرجعا لكل من يحاول الكتابة او الاتيف فسيره المصطفى عليه السلام.
واعتني العلماء فيه فدرسوة و شرحوة و نوهوا فيه و بمؤلفة القاضى عياض السبتي… و اعتبروا كتاب الشفا مفخره من مفاخر المغرب… و دليلا قاطعا على نبوغ المغاربه فالتاليف و التصنيف.
واهتم اهل المغرب و الاندلس بنسخ كتاب الشفا و التبرك به… فكانوا اذا سكنوا دارا قدموا ?
بين ايديهم كتاب الشفا و جعلوة مع المصحف الشريف فاقوى مكان بها.
والكتاب الثاني هو كتاب (دلائل الخيرات) الذي الفة محمد بن سليمان الجزولى المتوفي سنه 870 ه…وقد كان الجزولى عالما ناسكا متصوفا سائحا قام بعده رحلات داخل المغرب و خارجه… و عاش فعصر توالت به النكبات و المصائب على المسلمين و عم الجهل و انتشرت الضلاله و الامية… فارتاي الجزولى ان يجمع العوام على الاستغفار و الصلاة على النبي… فالف كتاب دلائل الخيرات…
وقد نال الجزولى بسبب كتابة ذلك مكانه مرموقه فحياتة و بعد مماته… و له ضريح شهير بمراكش…

5) – رجال رجراجة
هنالك فتاريخ المغرب قصة يتداولها المؤرخون بعده اساليب و صيغ… و هي قصة رجال سبعه قيل انهم خرجوا من قبيله رجراجه الشهيره المجاوره لمدينه اسفى و وفدوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فاقبل عليهم و كلمهم بلسانهم… فاسلموا و حجوا بعدها رجعوا الى بلادهم لينشروا الاسلام بها… و ربما عرف هؤلاء الرجال بسبعه رجال… و لهم اضرحه شهيره هناك…
وهذه القصة التي يثبتها بعض الرواه و ينفيها البعض… احتلت حيزا من الكتب و الاقلام عند المغاربة… و هي ان لم تكن مستحيله من الناحيه العقلية… فاننا لا نجد لها سندا فالمصادر القديمة التي و صلتنا…
ورغم هذا فان الشائع الذائع ان رجال رجراجه هاجروا فعلا الى المشرق و اسلموا بعدها رجعوا الى و طنهم… و كانوا حمله لواء الاسلام به…
ولهؤلاء الرجال السبعه اضرحه معروفة الى الان… على الضفه الجنوبيه لنهر تانسيفت… و لكل واحد منهم اسم خاص فيه و ذريه معروفة بانتسابها اليه…
وقبيله رجراجه كانت معروفة باسبقيتها الى الاسلام و متانه دين رجالها… و ربما تزعموا محاربه البرغواطيين اتباع صالح البرغواطى الذي زعم انه موحي اليه… فافسد على الناس دينهم و عقيدتهم… باكاذيب و اضاليل معروفة…
وهنالك فقبيله رجراجه تاسست عده رباطات للدفاع عن حوزه الاسلام… و نشر العلم و الدين. و ربما حفظ لنا التاريخ صفحات ذهبية لعده ما ثر قام فيها المسلمون الاولون فالمغرب منذ ايام الفتح الاسلامي… على يد قبيله رجراجة… و قبائل ثانية =حملوا لواء الدعوه التي اشرق نورها الوهاج من غار حراء… فعم المشرق و المغرب… برساله محمد عليه الصلاة و السلام.


ذكريات اسلاميه