ظهرت الزوايا في بلاد المغرب بعد القرن الخامس الهجري، وكانت تسمى في البداية ب”دار الكرامة”
كالتي بناها السلطانالموحدي يعقوب المنصور في مراكش، ومن اقدم الزوايا في المغرب التي نعتت بهذا
الاسم زوايا الشيخ ابي محمد صالح دفين اسفي (ت.631 ه / 1234م)، والتي تعددت وتكاثرت
وانتشرت على طول الطريق بين المغرب ومصر لايواء اصحاب الشيخ ابي صالح عند سفرهم للحج،
وتشجيعهم على زيارة بيت الله الحرام. اعتنى ملوك المغرب بانشاء الزوايا، مثل ما اطلق عليه
“دار الضيوف” والتي بناها المرينيون، او “الزاوية العظمى” التي اسسها ابو عنان فارس خارج فاس.
وعرفت انتعاشا وتطورا كبيرين في المدلول والوظائف منذ القرن العاشر الهجري، حيث شهد هذا القرن
امتداد اطماع النصارى الى الثغور المغربية بعد تغلبهم على المسلمين في الاندلس، وازاء قصور وعجز
الدولة الوطاسية عن الدفاع عن حمى المسلمين في المغرب، ستنهض الزوايا للاطلاع بهذا الدور، وبذلك
ستعرف تحولا وظيفيا في مسارها لتصبح رقما رئيسا في المعادلة السياسية بالبلاد، تتدخل في الشؤون
السياسية وتدعو الى الجهاد ومقاومة المحتل الاجنبي. وشكلتالزاوية الدلائية صرح ثقافي قوي نافس جامع القرويين
في النتاج العلمي، وتحولت الى قوة سياسية تسيطر على جزء كبير من البلاد وبايع المغاربة
شيخها محمد الحاج الدلائي سلطانا على البلاد، وحفز هذا الازدهار ابو حسون السملالي شيخزاوية اليغ
الى الالتفات نحو الشرق والتدخل في صراع تافيلالت بين العلويين والدلائيين.
التحولات التاريخية ادت الى تراجع ادوار الزوايا بعد ان افتقدت كثيرا من الوظائف التي كانت
تضطلع بها في المجتمع التقليدي كمؤسسات تاطيرية للمجتمع؛ فالوظائف التعليمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والقضائية والجهادية
لم تعد من مجال عملها بفعل عملية التحديث التي طالت المجتمع؛ والتي كان من نتائجها
توزيع قطاعات العمل هاته على مؤسسات الدولة الحديثة. كاستئثار الاحزاب بالعمل السياسي والمجتمع المدني بالعمل
الحقوقي والاجتماعي..الخ. وهو ما دعا الزوايا الى اعادة الاعتبار اساسا لوظيفتها التربوية الروحية، والتي تشكل
اليوم مدخلها الرئيس للاسهام في نشر القيم الاحسانية التي عمل اربابها على زرعها في النفوس،
ومن خلالها الاسهام في التخفيف من غلوائية المادية التي تهيمن على الحياة الحديثة.