الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا، من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
واشهد ان لا اله الا الله وحده ولا شريك له، اقرارا بربوبيته وارغاما لمن جحد
به وكفر.
واشهد ان سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت
عين بنظر او سمعت اذن بخبر.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله واصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن
تبعه الى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا
وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه،
واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه، وادخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ايها الاخوة الكرام:
اي انسان كائنا من كان، باية صفة، وباي مكان، وباية مكانة مطلوب من قبل الله
عز وجل، مطلوب ليسعده في الدنيا والاخرة، قال تعالى:
﴿ الا من رحم ربك ولذلك خلقهم﴾[سورة هود من الاية 119]
فكل الفئات، وكل الطبقات ان صح التعبير، وفي كل الظروف، وفي كل الاحوال، وفي كل
المناسبات، انت مطلوب من قبل الله عز وجل ان كنت مريدا لله، انعم واكرم بهذا
الطلب العظيم، وان لم تكن فانت مراد من قبل الله..
هذه الخطبة، تتوجه الى فئة من المجتمع، الى فئة الناجحين في الحياة الذين حققوا اهدافهم
كاملة، قد تكون هذه الاهداف مادية ؛ كالذي وصل الى حجم مالي كبير، وقد تكون
هذه الاهداف علمية ؛ كالذي وصل الى درجة علمية عالية جدا، وقد تكون هذه الاهداف
من حيث القوة والشان. هؤلاء الذين وصلوا الى قمم المجد، وصلوا الى اهدافهم كاملة، هؤلاء
معرضون لمرض خطير، هؤلاء معرضون لمرض الغرور، لمرض ان يتوهموا ان هذا الذي حصلوه بقوتهم،
وسعيهم وجدهم، ونشاطهم وخبراتهم.
حينما تعزو النعمة اليك وقعت في مطب كبير، حينما تعزو هذه النعم التي هي بقدر
الله، وبعلم الله، وبقوة الله، وبتوفيق الله وبفضل الله حينما تعزو هذه النعم اليك، وقعت
في مطب كبير وعندئذ يستحق الانسان التاديب.
هؤلاء الاعلام، هؤلاء اللامعون، هؤلاء المتفوقون، هؤلاء النجوم بكلمة واسعة، نجوم المجتمع، هؤلاء المتالقون، هذه
الخطبة لهم اليوم هذا التالق، وذاك النجاح، وذاك التفوق، قد يعزيه الانسان الى ذاته فيقول:
انما حصلته بخبرتي، بعلم مني، بكد وسعي، لذلك كان الدرس الثالث من دروس سورة الكهف،
قصة صاحب الجنتين:
﴿ واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من اعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا
(32) كلتا الجنتين اتت اكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا (33) وكان له
ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره انا اكثر منك مالا واعز نفرا (34) ودخل جنته وهو
ظالم لنفسه قال ما اظن ان تبيد هذه ابدا (35) وما اظن الساعة قائمة ولئن
رددت الى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا (36) قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي
خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (37) لكنا هو الله ربي ولا
اشرك بربي احدا (38) ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا
بالله ان ترن انا اقل منك مالا وولدا (39) فعسى ربي ان يؤتين خيرا من
جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا (40) او يصبح ماؤها غورا فلن
تستطيع له طلبا (41) واحيط بثمره فاصبح يقلب كفيه على ما انفق فيها وهي خاوية
على عروشها ويقول يا ليتني لم اشرك بربي احدا (42) ولم تكن له فئة ينصرونه
من دون الله وما كان منتصرا (43) هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير
عقبا (44) ﴾[سورة الكهف]
هذه قصة اغفل الله اسماء اصحابها، وزمانها، ومكانها، وجزئياتها لانها نموذج متكرر، في كل عصر،
في كل مصر، هناك من يقول انا هناك من يقول: انما اوتيته على علم عندي
هذا الذي يرى النعمة ولا يرى المنعم، القصة اليوم له.. وهو منزلق خطير، قد تدخل
الى المسجد وقد تصلي، وانت معجب بنفسك، ترى انك حصلت شيئا ثمينا بقدراتك الذاتية، وتنسى
فضل الله عليك.
هذه القصة، وهذا التعليق ايها الاخوة قصة الغرور البشري بالنعمة قصة متكررة، فالمغتر لا ياخذ
النعمة بالشكر، بل بالغرور، ويتوهم انه حصل عليها بفكره وعمله، وانه بها قد استغنى عن
الله، الذي خلقه وخلق له هذه النعمة، واعطاه القدرة على التمتع بها.. قد تملك المال
وقد تشتري الطعام، ولا يسمح الله لك ان تستمع بالطعام، قد تتزوج وتنجب الاولاد، ويكون
الابن عبئا عليك، سببا لشقائك ؛ لان الله جل جلاله بيده كل شيء.
ايها الاخوة الكرام:
هذا الذي يتوهم ان هذه النعم جاءته بذكائه، بقدراته بسعيه، بكده وينسى فضل الله عليه،
يحاول ان ينميها، وان ينمقها، ويحسب انه في منعة من قضاء الله.. فليدقق في هذه
الاية: ﴿ كلا ان الانسان ليطغى (6) ان راه استغنى (7)﴾[سورة العلق]
اكبر مطب يقع به الانسان، ان يتوهم انه مستغن عن الله، ان يتوهم انه وصل
الى شيء، او انه يقف على ارض صلبة:
﴿ كلا ان الانسان ليطغى (6) ان راه استغنى (7)﴾
والاية الثانية:
﴿ واذا انعمنا على الانسان اعرض وناى بجانبه واذا مسه الشر كان يئوسا (83)﴾[سورة الاسراء]
اعرض عن الله، نسي ربه، نسي كتابه، نسي امره ونهيه، نسي المصير، نسي الجنة والنار.
الغرور البشري يوهم الانسان انه قادر، ويستطيع ان يفعل ما يريد وان الارض تعطيه من
كنوزها، بقدرته هو، وينسى ان كل شيء في الكون خاضع لقدرة الله، وان الاشياء التي
تعطيه انما سخرها الله له وسمح لها بان تعطيه.. قال تعالى:
﴿ ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا (23) الا ان يشاء الله واذكر ربك
اذا نسيت وقل عسى ان يهدين ربي لاقرب من هذا رشدا (24)﴾[سورة الكهف]
وقد ورد في الجامع الصغير، انه ” من عد غدا من اجله فقد اساء صحبة
الموت “.
من قال بعفوية، غدا سافعل كذا، غدا سادفع فاتورة الهاتف، ونسي ان غدا لا يملكه،
” من عد غدا من اجله فقد اساء صحبة الموت “.
يا ايها الاخوة الكرام:
يجب ان يعلم الانسان علم اليقين، انه لا يضمن القدرة على الفعل اطلاقا، لانك لا
تضمن بقاءك الى الغد، واذا ضمنت بقاءك الى الغد لا تضمن بقاء الذي تعلق الامل
عليه الى الغد..
اعرف رجلا وقع في محنة، وعلق امله على انسان، لينقذه في يوم محدد، وفي اليوم
الذي سبق هذا اليوم، وافت المنية من علق الامل عليه.
لا تملك بقاءك الى اليوم التالي، كما انك لا تضمن بقاء الذي علقت عليه الامل
الى اليوم التالي.
لو ضمنت بقاء الاثنين، انت والذي علقت الامل عليه، لا تضمن الظروف، فقد تاتي الظروف
وتحول بينك وبينما تريد.
﴿ ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا (23) الا ان يشاء الله واذكر ربك
اذا نسيت وقل عسى ان يهدين ربي لاقرب من هذا رشدا (24)﴾
عناصر الفعل ليست بيدك، انما هي في يد الله، فالذي ينسى ان يقول ان شاء
الله، فقد وقع في مطب كبير، وقع في الشرك وهو لا يدري نسب القدرة الى
ذاته، يظن انه ضمن المستقبل، او ملك المستقبل.
الله جل جلاله ازلي ابدي، دائم الوجود دائم القدرة، فعال لما يريد لا يستطيع احد
من خلقه ان يمنع قضاءه وقدره، قال تعالى:
﴿ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له
من بعده وهو العزيز الحكيم (2)﴾[سورة فاطر]
﴿ يد الله فوق ايديهم﴾[سورة الفتح الاية 10]
﴿ الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل (62)﴾[سورة الزمر]
﴿ الا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين (54)﴾[سورة الاعراف]
﴿ ولله غيب السماوات والارض واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل
عما تعملون (123)﴾[سورة هود]
﴿ وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى﴾[سورة الانفال الاية 17]
وقد ورد في الحديث:
(( عن ابي الدرداء عن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال لكل شيء حقيقة وما
بلغ عبد حقيقة الايمان حتى يعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وما اخطاه لم
يكن ليصيبه )) [انفرد به احمد]
هذا الخطاب موجه الى المتالقين الى الناجحين، الى الذين وصلوا الى اهدافهم، يجب ان لا
تغيب عنك لحظة هذه الحقيقة، انك وصلت الى ما وصلت اليه بفضل الله عليك، قال
تعالى:
﴿ وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك
عظيما (113)﴾[سورة النساء]
﴿ وانه هو اضحك وابكى (43)﴾[سورة النجم]
حينما تجلس في البيت، وتضحك مع اهلك، سمح الله لك ان تضحك ولو ان هناك
خبرا سيئا، يذهب الضحك كليا من وجه الانسان، سمح لك ان تضحك، طمانك، سمح لك
ان تكون مسرورا.
الانسان الغافل ينسب الافعال والنعم الى ذاته، وينسى الله عز وجل ماذا يفعل الله معه
؟ حرصا عليه، رحمة به، تقريبا له، انقاذا له من هذا الشرك، يؤدبه كيف يؤدبه
؟ يؤدبه ويؤدب الناس من حوله، فياخذ النعمة منه فجاة، او ياخذها لسبب صغير، خطا
صغير.. ترتب عليه مئتا مليون مثلا، يجب ان يدفعها فورا، خطا صغير ياخذ النعمة منه
او ياخذ صاحب النعمة، ليكون عبرة لمن حوله، كل هذا ليلفتنا الى ان كل شيء
بيد الله، وان الاسباب التي تعطى انما تعطى بقدرة الله انظروا الى قول قارون، ودققوا
فيه:
﴿ قال انما اوتيته على علم عندي اولم يعلم ان الله قد اهلك من قبله
من القرون من هو اشد منه قوة واكثر جمعا ولا يسال عن ذنوبهم المجرمون (78)﴾[سورة
القصص]
الاية الثانية:
﴿ فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما
كان من المنتصرين (81)﴾[سورة القصص]
قد يرتكب الانسان معصية كبيرة يستغفر الله ويتوب، اما حينما يشرك يقصمه الله عز وجل.
لو كان قارون صادقا فيما يقول: انما اوتيته على علم عندي ينبغي ان يحفظ هذه
النعمة، لانها ملكه، لو كان قارون صادقا فيما يقول يجب ان يحفظ حياته، قال تعالى:
﴿ فلولا اذا بلغت الحلقوم (83) وانتم حينئذ تنظرون (84) ونحن اقرب اليه منكم ولكن
لا تبصرون (85) فلولا ان كنتم غير مدينين (86) ترجعونها ان كنتم صادقين (87)﴾[سورة الواقعة]
من يملك حياته بعد ساعة، من يملك ان يشفي نفسه من مرض عضال ولو كان
يملك الملايين، ولو كان يملك الارض كلها.
قارون لم يقدر على ابقاء النعمة، كما انه لم يقدر على ابقاء حياته قال تعالى:
﴿ فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما
كان من المنتصرين (81)﴾[سورة القصص]
اذا: احد اسباب زوال النعم، ان تعزوها الى قدراتك، ان تعزوها الى ذكائك، ان تعزوها
الى علمك، ان تعزوها الى خبرتك، ان تعزوها الى ظروف تملكها، هذا سبب اول من
اسباب زوال النعم..
كنت اقول سابقا: طريق القمة طريق صعب جدا، طرقات صاعدة وملتوية، فيها الاكمات، وفيها العثرات،
وفيها الحفر، وفيها الوحوش ولكنك اذا وصلت الى قمة اي شيء بجهد جهيد، هناك طريق
زلق تهبط به الى القاع في ثانية واحدة، انه طريق الغرور، المطب الكبير الذي ينتظر
كل ناجح في الحياة هو الغرور.
ايها الاخوة الكرام، قال تعالى:
﴿ وقل رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا
(80)﴾[سورة الاسراء]
لم لم يقل ربنا جل جلاله، رب اجعلني صادقا، اليس في هذا ايجازا؟ قد تدخل
مدخلا صادقا، ولا تخرج منه صادقا، قد تنشئ مشروعا خيريا وانت في وسط المشروع ترى
الاموال بين يديك، فيقسو قلبك فيتحول هذا المستشفى الخيري الى مستشفى ابتزازي، قد تدعو الى
الله وفي اثناء الدعوة تقصر في متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تزل القدم،
لا تخرج من هذه الدعوة صادقا، تدخلها صادقا ولا تخرج منها صادقا، مطب الغرور اكبر
مطب يصيب الناجحين، في كل الحقول اطلاقا.
سبب اخر لزوال النعم، ان تمنع حق الفقير، ان تمنع اصحاب الحقوق من حقوقهم، قال
تعالى:
اصحاب البساتين والمزارع، مشاريع ضخمة جدا..
﴿ انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة اذ اقسموا ليصرمنها مصبحين (17) ولا يستثنون (18)
فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون (19) فاصبحت كالصريم (20)﴾ [سورة القلم]
احيانا يتلف الصقيع محاصيل كثيرة باهظة الثمن. قال تعالى:
﴿ فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون (19) فاصبحت كالصريم (20) فتنادوا مصبحين (21)
ان اغدوا على حرثكم ان كنتم صارمين (22) فانطلقوا وهم يتخافتون (23) ان لا يدخلنها
اليوم عليكم مسكين (24) وغدوا على حرد قادرين (25) فلما راوها قالوا انا لضالون (26)
بل نحن محرومون (27)﴾
دهشوا، صعقوا، ليست هذه بساتيننا، ثم تاكدوا انها بساتينهم..
﴿ فلما راوها قالوا انا لضالون (26) بل نحن محرومون (27) قال اوسطهم الم اقل
لكم لولا تسبحون (28) قالوا سبحان ربنا انا كنا ظالمين (29) فاقبل بعضهم على بعض
يتلاومون (30) قالوا يا ويلنا انا كنا طاغين (31) عسى ربنا ان يبدلنا خيرا منها
انا الى ربنا راغبون (32) كذلك العذاب ولعذاب الاخرة اكبر لو كانوا يعلمون (33)﴾[سورة القلم]
اجمل تعقيب على هذه القصة هو قوله تعالى:﴿كذلك العذاب ولعذاب الاخرة اكبر لو كانوا يعلمون
(33)﴾
كل انواع العذاب التي يسوقها الله لعباده، من هذا النوع، ليدفعهم الى العبودية الصادقة، ليدفعهم
الى بابه، ليسعدهم، لذلك قال بعض علماء التوحيد: لا ينبغي ان تقول ( الله الضار)
الضار من اسمائه، ينبغي ان تقول (الضار النافع) يبغي ان تقول (الخافض الرافع) ؛ لانه
يخفض ليرفع يبغي ان تقول (المذل المعز) ؛ لانه يذل ليعز، يبغي ان تقول (المانع
المعطي) لانه يمنع ليعطي..
يقول الله جل جلاله، كما قلت في اول درس من دروس الكهف:
﴿ وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم
والله يعلم وانتم لا تعلمون (216)﴾[سورة البقرة]
فاحد اسباب زوال النعم، ان تمنع حق الفقير..
ايها الاخوة الكرام:
فكرة فاتتني في الموضوع الاول ؛ اصحاب النبي وهم على ما هم عليه من رفعة
الشان والقرب من الله، قالوا كلمة قبيل غزوة حنين قالوا: لن نغلب من قلة، اصبحنا
اقوياء، ثم جاءهم من الله التاديب قال تعالى:
﴿ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم
شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين (25)﴾[سورة التوبة]
ايها الاخوة الكرام:
بدر وحنين، في حياة كل مؤمن في اليوم مائة مرة، اذا قلت الله تولاك الله،
انت موحد، وما تعلمت العبيد افضل من التوحيد، واذا قلت انا تخلى عنك، من اتكل
على نفسه اوكله الله اياها، فرق بين الايمان والشرك، ان تقول الله، او تقول انا،
فاذا قلت انا تخلى الله عنك فانت بين التولي والتخلي، والامر اليك، اذا وحدت تولاك،
اذا اشركت تخلى عنك، هذا درس بليغ، لم ينج اصحاب رسول الله من التاديب.
ايها الاخوة الكرام:
صاحب الجنتين، اخذ بالاسباب، واعطته هذه الاسباب هاتين الجنتين ولكن نسي ارادة المسبب، نسي ان
هذه الاسباب لا تعطي الا بامر الله نسي ان هذه الاسباب لا تعطي الا اذا
سمح الله لها ان تعطي، لذلك:
من اخذ بالاسباب واعتمد عليها والهها فقد اشرك، ومن لم ياخذ بها فقد عصى.. يجب
ان تاخذ بالاسباب، ويجب ان تتوكل على الله، يجب ان تاخذ بالاسباب وكانها كل شيء،
ويجب ان تتوكل على الله وكانها ليست بشيء، هذا الموقف الدقيق وقفه النبي عليه الصلاة
والسلام في الهجرة، اخذ بكل الاسباب، اختار مصاحبا، اختبا في غار ثور، عين من ياتيه
بالاخبار، عين من يمحو له الاثار، اختار دليلا ورجح فيه الخبرة على الولاء، فعل كل
شيء، ولما وصل المشركون الى باب الغار، قال له الصديق يا رسول الله، ولو نظر
احدهم الى موطئ قدمه لرانا، قال: يا ابا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما..
لو انه اخذ بالاسباب واعتمد عليها، ينبغي ان ينهار في هذه اللحظة اخذ بالاسباب طاعة
لله، واعتماده على الله دائما، وهذا منزلق خطير احيانا الناجح في حياته، ياخذ بالاسباب، وهذه
الاسباب تعطيه، ولكن ينسى ان الله سمح لها ان تعطيه، وقع في الشرك، يؤدب باحباط
عمله يؤدب لان هذه الاسباب التي ياخذ بها لا تعطيه ما يريد في بعض الاحيان
هنا يدهش، انك اعتمدت عليها ولم تعتمد على الله عز وجل لذلك اما ان يعطلها،
او ان يلغي نتائجها، وهذا تاديب من الله عز وجل.
يعني بكلمة جامعة مانعة ؛ الغرب اخذ بالاسباب، اله الاسباب والمسلمون تركوا الاسباب، وكلاهما في
خطا كبير، يجب ان ناخذ بها وكانها كل شيء ويجب ان نتوكل على الله وكانها
ليست بشيء..
قد يسال سائل: لماذا يؤدبنا ربنا عز وجل اذا اشركنا ؟.. لانه يريدنا له ؛
لان السعادة كلها عنده، لان السلامة عنده، لان الجنة والنار عنده فحينما يؤدبنا فلكي ندع
الشرك، كي نلتفت اليه، كي نسعد بقربه، والله عز وجل كما ورد في الحديث القدسي
الصحيح:
((يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم
ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا
على افجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو ان
اولكم واخركم وانسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسالوني فاعطيت كل انسان مسالته ما نقص
ذلك مما عندي الا كما ينقص المخيط اذا ادخل البحر يا عبادي انما هي اعمالكم
احصيها لكم ثم اوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا
يلومن الا نفسه ))
[اخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه واحمد والدرامي من حديث ابي ذر عن النبي صلى اللهم
عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى انه قال: يا عبادي اني حرمت الظلم
على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.. ]
كلمة جافية، قاسية، بشعة ان يقول: انا اكثر منك مالا واعز نفرا..
قصة رمزية سمعتها ؛ رجل يجلس مع زوجته ياكل دجاجة، طرق طارق فتحت الباب فاذا
بالباب سائل، قال لها: من مال الله، فهمت ان تعطيه قطعة من هذه الدجاجة لياكلها
فنهرها زوجها، وقال: اطرديه فطردته. بعد حين ساءت العلاقة بينهما فطلقها، وبعد حين اخر خطبها
رجل ميسور، وكانت تجلس معه على الطعام وياكلون دجاجة، طرق الباب ذهبت لتفتح الباب فاذا
بالباب سائل، فاضطربت، قال: مالك اضطربت ؟ قالت: ان بالباب سائلا، قال: هناك شيء اخر،
قالت: اتدري من هو السائل؟ انه زوجي الاول، قال اتدرين من انا ؟ انا السائل
الاول !..
حينما تعزو النعم اليك، وتبخل بها، تحرم منها تاديبا:
﴿ فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد باسه عن القوم المجرمين (147)﴾[سورة
الانعام]
الشيء الاخطر ان صاحب الجنتين قال لصاحبه:
﴿ وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره انا اكثر منك مالا واعز نفرا (34)﴾[سورة
الكهف]
كلمة جافية، قاسية.. رجل اظن به الصلاح والايمان، قال خطا في سهرة مع اصدقائه: انا
لن اموت قريبا، قيل له لماذا ؟ قال لانني اكل قليلا وامشي كثيرا، ولا ادخن،
ولا احمل الاشياء فوق ما اطيق.. وهذا كلام علمي هذه اسباب طول العمر تكلم هذا
يوم السبت، فكان في السبت القادم تحت اطباق الثرى..
اياك ان تحكم على الله، اياك ان تتقمص دور الاله، اياك ان تحكم على المستقبل،
اياك ان تقول انا.. ﴿ انا اكثر منك مالا واعز نفرا (34)﴾
ويا ليته بقي عند هذا الحد ولكنه قال:
﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما اظن ان تبيد هذه ابدا (35) وما
اظن الساعة قائمة ولئن رددت الى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا (36)﴾[سورة الكهف]
الان حكم على المستقبل، ارتكب حماقة في الحاضر قال: انا اكثر منك مالا واعز نفرا،
والان حكم على المستقبل، قال: وما اظن ان تبيد هذه ابدا انتقل الى اصعب، قال:
وما اظن الساعة قائمة، نفى قيام القيامة، نفى البعث، نفى الاخرة، وفرضا لو كان هناك
يوم اخر: ﴿ ولئن رددت الى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا﴾
على ماذا اعتمد، اعتمد على فكرة يعتنقها معظم الاغنياء، يعني اذا احب الله عز وجل
انسانا جعله غنيا، واذا احب انسانا اطلعه على ملكه فكل انسان اغتنى، وسافر الى اطراف
الدنيا، يتوهم في سذاجة ان الله يحبه، فحينما اغناه قال: ﴿ولئن رددت الى ربي لاجدن
خيرا منها منقلبا﴾
مع ان الله عز وجل يقول:
﴿ فاما الانسان اذا ما ابتلاه ربه فاكرمه ونعمه فيقول ربي اكرمن (15) واما اذا
ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي اهانن (16)﴾[سورة الفجر]
سيقول هو ربي اكرمني
كلا.. هذه اداة ردع ونفي، هذا كلام غير صحيح، هذا كلامكم هذه مقولتكم، ليس عطائي
اكراما، ولا منعي حرمانا، عطائي ابتلاء وحرماني دواء..
اي شيء تملكه اياك ان تسميه نعمة، بل هو ابتلاء، فاذا وظفته في طاعة الله
فهو نعمة ورب الكعبة، واذا وظفته في المعاصي والاثام فهو نقمة ورب الكعبة، اياك ان
تسمي المال عطاء، المال الذي انفق في طاعة الله هو العطاء، اما اذا انفق على
الملذات والمعاصي والاثام هو الغنى المطغي، وهو احد اكبر المصائب في الدنيا، الغنى المطغي.. الصحة،
اذا استخدمتها في طاعة الله كانت نعمة، واذا استخدمتها في المعاصي والاثام كانت نقمة، اي
حظوظ الدنيا، نعمة او نقمة، نعمة اذا وظفت في طاعة الله، ونقمة اذا وظفت المعاصي
والاثام..
فهذا صاحب الجنتين توهم ان الله يحبه لانه اغناه، فاذا كان هناك جدلا يوم قيامة
؛ ولئن رددت الى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا، هذا الوهم الرابع..
الذي يقلق الناس، اما ان تزول النعمة عنهم، او ان يزولوا عنها، لو شققت على
صدر خمسة الاف بليون انسان في الارض هناك قلقان ان تزول هذه النعمة، او ان
يزول هو عنها بالموت، لذلك يحرص الناس على ارزاقهم، وعلى النعم التي بين ايديهم وعلى
حياتهم حرصا لا حدود له، لكن المؤمن معافى من هذين المرضين، قال تعالى:
ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا
بالجنة التي كنتم توعدون (30)﴾[سورة فصلت]
الماضي مغطى بعدم الحزن على ما فاتك منه، والمستقبل مغطى بعدم القلق والخوف:
﴿ قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون
(51)﴾[سورة التوبة]
هناك اغنياء مؤمنون تتمنى الغنى من تواضعهم، وسخائهم، وحبهم للخير، وانفاقهم المعتدل انا لا اعمم
ابدا ان الغني الشارد عن الله عز وجل، اما الغني المؤمن تتمنى ان تكون مثله
غنيا، بهذا التواضع وذاك السخاء، وهذه الرحمة وهذا الانفاق المدروس، دون زيادة، ودون تبذير، ودون
اسراف.
يقول الله عز وجل ردا على زعم هؤلاء الاغنياء غير المؤمنين بان الله يحبهم:
﴿ فلا تعجبك اموالهم ولا اولادهم انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق
انفسهم وهم كافرون (55)﴾[سورة التوبة]
دقق الان ؛ يريد الله ان يعذب الغني بماله، الغني الكافر قد يكون ماله سبب
قتله، وقد يكون ماله سبب شقائه، وقد يكون ماله سبب سجنه:
انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون
يعذبهم الله حتى باولاده، فجور اولادهم، وانحراف اولادهم قد يكون سببا في شقائهم.
﴿ افرايت الذي كفر باياتنا وقال لاوتين مالا وولدا (77) اطلع الغيب ام اتخذ عند
الرحمن عهدا (78) كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا (79) ونرثه ما
يقول وياتينا فردا (80)﴾[سورة مريم]
ايها الاخوة الكرام:
المؤمن ينظر الى المنعم، لا الى النعمة، بينما غير المؤمن ينظر الى النعمة لا الى
المنعم، المؤمن يعلم ان المنع قد يكون اعظم العطاء، ربما كان المنع عطاء، وربما كان
العطاء منعا، وغير المؤمن يرى العكس.
الايمان سعادة كبرى، رؤية صحيحة، والايمان مرتبة اخلاقية والايمان مرتبة جمالية..
حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا اعمالكم قبل ان توزن عليكم واعلموا ان ملك الموت
قد تخطانا الى غيرنا، وسيتخطى غيرنا الينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما
بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
ايها الاخوة الكرام:
اقرا عليكم الايات مرة ثانية كي نربط الشرح بنص الايات:
﴿ واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من اعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا
(32) كلتا الجنتين اتت اكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا (33) وكان له
ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره انا اكثر منك مالا واعز نفرا (34) ودخل جنته وهو
ظالم لنفسه قال ما اظن ان تبيد هذه ابدا (35) وما اظن الساعة قائمة ولئن
رددت الى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا (36) قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي
خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (37) لكنا هو الله ربي ولا
اشرك بربي احدا (38) ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا
بالله ان ترن انا اقل منك مالا وولدا (39) فعسى ربي ان يؤتين خيرا من
جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا (40) او يصبح ماؤها غورا فلن
تستطيع له طلبا (41) واحيط بثمره فاصبح يقلب كفيه على ما انفق فيها وهي خاوية
على عروشها ويقول يا ليتني لم اشرك بربي احدا (42) ولم تكن له فئة ينصرونه
من دون الله وما كان منتصرا (43) هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير
عقبا (44) ﴾[سورة الكهف]
ايها الاخوة الكرام:
هذا هو الدرس الثالث من دروس سورة الكهف، الذي ندبنا النبي ان نقراها كل يوم
جمعة، انها متعلقة بحركتنا في الحياة اليومية، متعلقة بحالتنا النفسية، متعلقة باقبالنا على ربنا، متعلقة
بالشرك والتوحيد فارجو الله سبحانه وتعالى ان يعينني على متابعة دروس هذه السورة في الاسابيع
القادمة.
الدعاء:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما اعطيت، وقنا
واصرف عنا شر ما قضيت، فانك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، انه لا يذل من
واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب
اليك
اللهم هب لنا عملا صالحا يقربنا اليك.
اللهم اعطنا ولا تحرمنا، اكرمنا ولا تهنا، اثرنا ولا تؤثر علينا ارضنا وارض عنا، اقسم
لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك،
ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم باسماعنا، وابصارنا، وقوتنا ما احييتنا، واجعله
الوارث منا، واجعل ثارنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا اكبر
همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين.
اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة امرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا واصلح لنا اخرتنا
التي اليها مردنا، واجعل الحياة زادا لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من
كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم استر عوراتنا، وامن روعاتنا، وامنا في اوطاننا، واجعل هذا البلد امنا سخيا رخيا، وسائر
بلاد المسلمين.
اللهم انا نعوذ بك من الخوف الا منك، ومن الفقر الا اليك، ومن الذل الا
لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الاعداء، ومن السلب بعد العطاء.
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عونا لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب
فاجعله فراغا لنا فيما تحب.
اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالاقتار، فنسال شر خلقك ونبتلى بحمد من اعطى وذم
من منع، وانت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الارض والسماء.
اللهم كما اقررت اعين اهل الدنيا بدنياهم فاقرر اعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
اللهم بفضلك وبرحمتك اعل كلمة الحق والدين، وانصر الاسلام والمسلمين، واعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم
الى ما تحب وترضى انك على ما تشاء قدير وبالاجابة جدير
- اللهم اقسم لي من خشيتك ماتحول خلفية هاتف
- سؤال ديني صعب
- محاظرات دينية