اللهم صل وسلم وبارك وكرم على عبدك المصطفى سيدنا محمد واله واصحابه واهل حضرة اقترابه
من احبابه، وعلى جميع ابائه واخوانه من الانبياء والمرسلين، والهم وصحبهم وتابعيهم باحسان الى يوم
الدين، وعلى ملائكتك المقربين وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا ارحم الراحمين.
واذا صلى الله تبارك وتعالى على عبد من عباده فرحمه فقد اكرمه، وباكرام الحق تبارك
وتعالى للعبد يخلي هذا العبد عن ما لا يحبه، ويصفيه عما لا يرضاه، والمعنى في
ذلك انه يربطه بصفوته الذي صلى عليه، ووعد ان يصلي على الخلق اذا صلوا عليه،
مشيرا الى انه مفتاح باب صلاته ومفتاح باب رحمته صلى الله عليه واله وصحبه وسلم.
وسمعنا خطابه في الكتاب العزيز: ( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين
امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) صلى الله وسلم وبارك عليه واله واصحابه.
وسمعنا خبره من ( من صلى علي مرة واحدة صلى الله بها عليه عشر صلوات
) وكذلك ورد في شان التسليم، حتى اصبح نبينا يرى في وجهه البشر من فرحه
لامته بصلاة الله عليهم بواسطته ( الا يرضيك انه لا يصلي عليك احد من امتك
الا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك احد من امتك الا سلمت عليه )
فالحمد لله على هذه النعمة.. اللهم اتمها علينا، اللهم اتمها علينا، اللهم اتمها علينا..
وتمامها بالمرافقة لهذا النبي في دار الكرامة ومستقر الرحمة بعد المرور معه على الصراط، والاستظلال
بظل لواء الحمد الذي يحمله عليه الصلاة والسلام، والورود على حوضه المورود، اللهم اتم علينا
النعمة برحمتك يا ارحم الراحمين.
وتذكر الامة ميلاد نبيها في شرق الارض وغربها منة من منن الله امتن بها عليها،
ترتبت عليها انواع المنن وانواع المواهب وانواع العطايا، على الميلاد الكريم ترتبت النشاة على الميلاد
الكريم بحكم ارادة الله وترتيبه الاسباب، ترتبت البعثة على الميلاد الكريم ترتب الاسراء والمعراج، على
الميلاد الكريم ترتب البلاغ والاداء للامانة والبيان للحق والحقيقة، على المولد الكريم ترتبت الغزوات كلها،
على المولد الكريم ترتبت ليالي دعائه لامته وليالي استشفاعه لامته وليالي سؤاله الحق في امته،
على المولد الكريم ترتبت جميع العطايا التي منحت للامة.. صلى الله على نبينا المصطفى محمد.
وصدق سيدنا العباس وهو يقول :
وانت لما ولدت اشرقت الارض** وضاءت بنورك الافق
فنحن في ذلك الضياء وذلك ** النور وسبل الرشاد نخترق
صلى الله عليه واله وصحبه وسلم، ونورنا بهذا النور اعظم التنوير وارفعه.
اذ تتذكر الامة ذلك يجب عليها ان تحسن النظر في صلتها بحبيب الهها المالك، صلى
الله عليه واله وصحبه وسلم، فانه عنوان صلتها بالهها، جل جلاله وتعالى في علاه.
كذب ثم كذب من يدعي صلة بالله مع انقطاع عن محمد بن عبدالله، لا يتصل
بالله في الدنيا ولا في الاخرة من انقطع عن نبيه المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام.
وان كانت صلة الملائكة بكل من احبه الله، حتى ينادي فيهم جبريل بامر الله: ان
الله احب فلانا فاحبوه، فيكون من دين الملائكة وعبادتهم في السماوات ان يحبوا المحبوبين لله،
فما تقول في احب المحبوبين وسيد المحبوبين؟ هل من دين من غير محبته؟ هل من
دين من غير تعظيمه وقوة الصلة به؟ صلى الله عليه واله وصحبه وسلم..
الملائكة في السماوات يدينون بمحبة المحبوبين عامة وخاصتهم خاصة، اما الراس .. اما الاساس ..
اما الاصل .. اما الاجل .. اما الاكبر .. اما الاحب .. اما الاقرب ..
اما الاطيب فاسمه منقوش على قوائم العرش امام اعينهم، اذا امتدت اعينهم الى عرش الرحمن
فاسمه مع اسم الرحمن صلى الله عليه واله وصحبه وسلم.
فمن ذا من الملائكة لا يدين الله بتعظيمه ؟ من ذا من الملائكة لا يدين
الله باكرامه واجلاله ؟
فالدين قائم على اجلال ما اجل الله ومن اجل الله، ولسنا نعلم فيمن اجل وما
اجل الحق اجل من محمد صلى الله عليه واله وصحبه وسلم، فمن كان عنده علم
فليظهره، لا نعلم فيمن اجل الله وكرم الله اكرم ولا اجل من محمد، لا نعلم
فيمن عظم الله وشرف الله اعظم واشرف من محمد.. ومن صاحب المقام المحمود ؟ ومن
القائل انا لها ؟ ومن صاحب الوسيلة؟ فمن هذا الذي اكرم، من عنده علم فليظهره؟
فاذا كان هو الاكرم، واذا كان هو الاعظم كيف لا ندين الله باكرامه، كيف لا
ندين الله بتعظيمه ؟ كيف لا ندين الله بالفرح به وبذكره وسيرته واخباره ومولده ورضاعه
ونشاته وتربيته وتنقله في مراحل عمره وتلقيه الرسالة وبلاغه واسرائه ومعراجه وصبره ودعوته وقيامه وصيامه
وشكره ولباسه وهديه واكله وشربه ودخوله وخروجه ونومه ويقظته واعطائه صلى الله عليه واله وصحبه
وسلم ومنعه وسفره واقامته وغزواته وبياناته وتعليماته صلى الله عليه واله وصحبه وسلم، كيف لا
نفرح بها ؟ كيف لا نعظمها ؟ فما معنى الولاء اذن ؟ وما معنى الاكرام
اذن ؟ وما معنى المحبة اذن ؟
ورضي الله عن سادتنا الصحابة الذين فقهوا هذه الحقيقة، فعظموا خير الخليقة، فنظرتهم الاعين في
ازمنتهم وقالوا: ما راينا احدا يعظم احدا كما يعظم اصحاب محمد محمدا، وقالوا ما راينا
احدا يحب احدا كما يحب اصحاب محمد محمدا، نطقت بهذا السن الكفار قبل اسلامهم، وهم
يقولون ما راينا تعظيما في العالم كتعظيم هؤلاء لمحمد، وانتم تعلمون اصحاب كسرى وقيصر ومبالغتهم
في التعظيم لملوكهم، ومع ذلك قالوا وفدنا عليه ولكن ما راينا مثل هذا التعظيم ..
فما وصف الصحابة فعند هؤلاء!؟ مبالغون زيادة !؟ وفدوا على الملوك الذين كانت الاعاجم تقدسهم
تقديسا كبيرا فقالوا ما راينا احد يعظم احد كما يعظم اصحاب محمد محمدا .. صلوات
الله وسلامه عليه وملانا بمحبته.
فمن كان يعلم معنى هذا القدر، فلينتبه من شان المال في المرافقة لهذا المصطفى، ان
يكون ماله المرافقة، وكيف ذلك ؟ بانتباهه مما جاء به وما بلغه وما ارشد اليه،
انتباهه من الفرائض، ينتبه من مثل هذه الليلة في ذكرى المولد الى اخر عمره الى
ان يلقى الله تعالى من الفرائض التي جاءت على يد هذا النبي، وليست الفرائض محصورة
في الصلاة والصوم والزكاة والحج لمن استطاع سبيلا، هذه فرائض ما اعظمها، عليها قام الاسلام،
وفريضة حفظ العين من النظر الحرام، فريضة حفظ العين من النظر الدنيا بعين الاستحسان والاكبار،
وفريضة حفظ اللسان من الكلام الفاحش، فريضة بر الوالدين، فريضة صلة الرحم، فريضة الصدق في
المعاملة، فريضة تطهير القلب عن المحرمات التي حرمها الله من كبر من عجب من غرور
من رياء، فريضة من الفرائض، انتبه من الفرائض واحسن اداءها وقم بحقها كلها..
فاذا قمت بهذه الفرائض التي فرضها الله عليك فدونك سنة محمد، بها تقرب الى ربه،
بها تنال محبة الملك القدوس، واي شيء اعلى منها، واي شيء .. ان يحبك الله،
رب العرش خالق كل شيء، يحبك !؟ يحبك باتباعه ( قل ان كنتم تحبون الله
فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )
فتنتبه من سننه الكريمة، تنتبه من هذه الليلة من سنة الجماعة والمحافظة عليها، ادراك تكبيرة
الاحرام مع الامام في كل صلاة، من الليلة الى ان تموت، ان كنت ترغب في
اللقاء، ان كنت تحب المرافقة، ان كنت تهوى الخلود معه في الجوار الكريم، سنة قيام
الليل، ما حالك معها؟ ما نصيبك منها؟ هو قام حتى ورمت قدماه، وخوطب من قبل
المولى ( قم الليل الا قليلا * نصفه او انقص منه قليلا * او زد
عليه ورتل القران ترتيلا )
فهل شابهته ؟ وهل تعلقت بسنته هذه ؟ فيم تمر عليك ساعات الليل ولحظات الليل؟
لك نصيب من حسن القيام بين يدي الملك العلام، وتدبر كلامه خير كلام؟ واطالة السجود
بين يديه؟ وخصوصا في الخلوة اذا تيسرت لك، وحيث لا يراك الا هو جل جلاله
وتعالى في علاه.
سنة الصدقة، سنة الابتسامة في وجوه المؤمنين، سنة لين الكلام ولين الجانب، سنة قضاء حاجات
المحتاجين، سنة عيادة المرضى، وهكذا سننه الكريمة تاتيك في حياتك لتربطك ولترقيك وترفع مرتبتك، ولتوصلك،
ولتفتح لك ابواب المواصلة حتى تدرك المحبوبية فتكون محبوبا للرحمن، تكون محبوبا لمن؟ للاله، تكون
محبوبا لمن؟ للحي القيوم، للعلي العظيم، للواحد الاحد، لرب العرش العظيم، لملك السماوات والارض، ولا
تحصل محصول خير من هذا، ولا اشرف ولا اجل، فلا يضيع عمرك في غفلة عن
حسن القيام بالفرائض والقيام بالسنن، حتى تاتي الى سنة ترك الفضول، سنة الزهد في الفضول
من كل المباحات، وتاخذ من المباحات ما يعينك، ما يزينك، وما يساعدك وما تحسن صرفه
في مرضاة ربك، ودونك بعد ذلك العطاء الاوفر والمن الاغمر من حضرة العلي الاكبر جل
جلاله القائل ( من تقرب الي شبرا تقربت اليه ذراعا، ومن اقترب الي ذراعا اقتربت
منه باعا، ومن اتاني يمشي اتيته هرولة )
كلام مشوق مرغب مذوق مطرب، محرك للقلوب والارواح، لمن ادرك مصدر هذا الكلام، ومن اين
جاء هذا الكلام، ومن بخاطبك بذا الكلام؟ نفسك تخاطبك فتاخذك، قنوات تخاطبك فتاخذك، صحف تخاطبك
فتاخذك، اصدقاء يخاطبونك فياخذونك، الله يخاطبك ما ياخذك !! اما تحتفل بخطابه، ما تدرك سر
كلامه، ما تلبي وتستجيب لدعوته جل جلاله وتعالى في علاه يقول ( اذا اقتربت الي
شبرا اقتربت اليك ذراعا ) ما هذا الكلام، ما معناه؟
لا لا تعشق سواي، لا تتعلق بمن عداي، لا تلتفت الى غيري، من يربحك كما
اربحك؟ من يسعدك كما اسعدك؟ من يعطيك كما اعطيك؟ اله حق، اله عظمة، اله كرم،
اله احسان وهو الغني عنا، وغيره لا يستطيع ان يحسن اليك ظاهرا ولا باطنا، ولا
مثقال ذرة الا بامره، وبتسخيره جل جلاله، ثم مهما جرى لك الاحسان من غيره فالغير
منقطع واحسانه منقطع، لكنه هو اذا احسن اليك فهو الدائم واحسانه دائم، كيف لا تعشقه!؟
كيف ما تتحرك منك العواطف والمشاعر على التولع بهذا الاله والاقتراب من حضرته وطلب الصلة
الكريمة به؟ لتسمو حقيقة السمو الذي لا يساويه شيء مما على ظهر الارض ( انا
جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا ) والنهاية ( وانا لجاعلون
ما عليها صعيدا جرزا ) ولا ذرة ولا اثر، والله لن يبقى على ظهر الارض
قصر، ولن يبقى على ظهر الارض برج، لن يبقى على ظهر الارض حصن، لن يبقى
على ظهر الارض بيت، لن يبقى على ظهر الارض نخلة، لن يبقى على ظهر الارض
شجرة ( وانا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) ( وحملت الارض والجبال فدكتا دكة
واحدة ) ( ويسالونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا *
لا ترى فيها عوجا ولا امتا )
من رفع من عليها شيء فنهايته ان يخفض وينتهي، لكن من رفعه الله، من رفعه
الله مرفوع برفع الله ابد الابدين ( يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم
درجات ) اذا تادبتم فان اول الاية ( ايها الذين امنوا اذا قيل لكم تفسحوا
في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم واذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين امنوا منكم
)
اذا قمتم بامتثال الاوامر حصل الرفع ( يرفع الله الذين امنوا منكم ) فان هذا
الفعل مجزوم على انه جواب الشرط، متقدم قبله الامر، اذا فعلتم هذا الامر ( يرفع
الله الذين امنوا منكم ) المتادبين ( والذين اوتوا العلم ) المتادبين بهذه الاداب (
درجات ) ومن لا تادب ما له نصيب في الرتب، ولا قرب من الرب.
وبلعام بن باعورة معروف، وعباد من الذين كان مالهم سوء المصير معروفين، ولكن من تادب
مع الله، من تادب مع رسوله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم هم الذين يرفعهم
الله سبحانه وتعالى في الدرجات العلى.
الله يبارك لنا وللامة في هذه الذكرى، ويحيي حقائق الاتصال بسيد اهل الدنيا والاخرى، ويرزقنا
ولاءه في الله، فان الله سبحانه وتعالى ما فرض علينا محبة احد كما فرض محبة
محمد من خلقه اجمعين، ولا احب منا ان نحب احدا كما نحب حبيب الله محمدا،
فهو المقدم وهو الاول ( قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها
وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله ) اثنين ونصره لهما (
وجهاد في سبيله )
اذا ما تحبهم وتنصرهم فالاباء والابناء والاخوان والعشيرة والابناء والازواج والاموال والتجارات والمساكن بئس بها
وهي هلاك لك وتربص تهديد من ربك .. ( فتربصوا حتىٰ ياتي الله بامره )
وانت في اهل الفسق ( والله لا يهدي القوم الفاسقين )
اذا قدمت مال اذا قدمت تجارة اذا قدمت مساكن اذا قدمت اباء اذا قدمت اخوان
اذا قدمت ازواج، اذا قدمت عشيرة وحدة من الثمانية تقدمت على محبة الله ورسوله والجهاد
في سبيله فانت مهدد، فتربصوا، تهديد علوي كبير، ليس من مخابرات، ليس من دول، الدول
ضعيفة امامه لا تساوي شيء، تحت امره، لكن هذا من الجبار الاعلى ( فتربصوا حتىٰ
ياتي الله بامره ۗ ) وتنظر النتيجة، نتيجة ايثارك للغير، نتيجة تقديمك لمالك او لتجارتك
او لعشيرتك او لابائك او لابنائك او لاخوانك او لازواجك،، تقديمهم على الله ورسوله، تقديمهم
على الجهاد في سبيل الله ( فتربصوا حتىٰ ياتي الله بامره ۗ والله لا يهدي
القوم الفاسقين ) مشير الى ان من ارتضى ذلك فقد فسق، وقد خرج عن دائرة
الهدى.
اللهم ارزقنا كمال الايمان وانظر الى الامة في هذه الليلة نظرة تخلص بها قلوبهم من
شبكات الوقوع في مهاوي الضلالات والاغترار بالكفار والفجار على ظهر الارض حتى برز للعيان تحكمهم
فيهم وصاروا مرجعيتهم، ولا يصلحون مرجعية لمن امن بالله ورسوله، فيا رب انقذ المؤمنين، يا
رب خلص المسلمين، يا رب رد كيد الكافرين في نحورهم وادفع عنا وعن الامة جميع
شرورهم، وانشر هدايتك في البرية وارنا راية خير المرسلين منصورة ظاهرة زهية علية، في جميع
البقاع والاقطار يا كريم يا غفار يا ارحم الراحمين.. والحمد لله رب العالمين.
- محضرات دينية معلومة 2022