الاسلام ضد العقل



جبهات سنيه متوتره بعضها فو جة بعض. اخوان مسلمون ضد سلفيين و سلفيون ضد تقدميين (او فقط محافظين مسالمين) و علمانيون ضد اخوان. و هابيون يساندون الاخوان و وهابيون يعارضونهم. لم تعرف المجتمعات الاسلاميه السنيه غليانا كهذا منذ اقدم العصور. دون ان نذكر التوتر السنى _ الشيعى الواقف متاهبا علي الحافه فلبنان و المتقلب بين سلمى و عنفى فالبحرين و الغارق فالدم بين العراق و سوريا و باكستان. فضلا عما اخذتة هذة الحمي بطريقها من اقليات العراق المسيحيه و ما تهدد باخذة من اقباط مصر.


لا ندخل فاسباب ذلك الاستنفار، فهى كثيره متراكمه و متجذره فتاريخ الاسلام، و استغلالها سهل علي من يريد استغلالها. و لن نتوقف عند جوانبها السلبيه فهى معروفة. سنجتهد هنا ان نقتنص منها املا.


من ايجابيات ذلك الصخب احتمال ان تنهك الرجعيات بعضها بعضا. ان يقذف الظلاميون بمدخراتهم من الكراهيه و التخلف و ترتاح صدورهم، و لو ادت غرغراتهم الي تشوية صوره الاسلام و خدمه اعدائة و اعداء العرب. ليخرج العتم و يندلق الجهل. هذة هى الفضيله الكبري للحروب الاهلية.


الامل هو ان تلى صحوه الجنون صحوه العقل.


يتطلع المتفائلون الي مصر و مجتمعات المغرب. ربما تكون الشعوب مقسومه و لكن يكفى ان تكون نسبه خمسين فالمئه عاصيه علي التخلف. نسبه اربعين، ثلاثين، عشرين فالمئة… دور النخبه ان تقود الشارع لا الشارع ان يقود الشعوب. و نحن ممن يعتقدون ان هنالك خطا احمر فمصر و سوريا و مجتمعات المغرب لا يسمح الاسلام المتحضر للاسلام المتحجر بتجاوزه. لا فالجامعه (جامعه الازهر مثلا) و لا فالسلطه و لا فالشارع. و ذلك مطمئن. يوم بدات اوروبا تتململ من سطوه الكنيسه لم يكن بها ذلك القدر من الشجاعة. و قفه العقل فالاسلام الراهن اكبر من ثوره العقل الغربى فبداياته. و لكن ذلك لا يكفي. لم يعد يكفى اتقاء المد بل لا بد من علاج جذري.


وفى البدايه ينبغى تسميه الاشياء، كما فعل ادم (وحواء؟) مع الكائنات الاولى. التسميه كفاح ضد الخوف. انها فجر المعرفة.


ما نحن علية الان رده انتحارية. ليست الرده تمرد ابن الدين علي دينة بل الرده هى انفجار براكين العمى، براكين التعصب و الثار و التكفير و العجز. و ذلك ما ربما نصير علية اكثر فاكثر. كان ممكن ان يتدارك تقدميو العالم الاسلامى ذلك التردى لو لم تصطدهم التيارات الاصوليه هنا و شبق المال هناك. غير ان ما حصل حصل و لم يعد ممكنا الاختباء و راء المعتدلين و هم لا حول لهم و لا قوة. و الاهم من هذا ان الاوادم الخائفين لا يستطيعون ان يظلوا مرتجفين فزوايا بيوتهم و نفوسهم الي الابد. و هؤلاء الاوادم الخائفون هم اكثريه بين الشعوب ان لم نقل انهم هم الاكثرية.


ما نعيشة الان فالعالم العربى انحناء المسالمين للدمويين. قصاري هم المسيحيين فلبنان ان لا يسحب عنهم الحمايه «حزب الله» من هنا و «تيار المستقبل» من هناك. القلوب علي مسيحيى مصر من غضبه دينيه غوغائيه تجتاحهم. لم يعد من قلق علي مسيحيى العراق و فلسطين بعدما انقرضوا. مسيحيو سوريا قرروا الذوبان فالصمت. شيعه السعوديه مخنوقون و شيعه البحرين يتعللون بالامال. لم يعد من مستقبل مرئى لطوائف العراق غير المزيد من التمازق. نظره الي المواقع الالكترونيه و بعض القنوات التلفزيونيه «المختصة» تجعلك تتقيا من حجم التكارة السنى _ الشيعى و مدي قابليتة للتذابح.


وفوق ذلك تناحر سنى _ سنى متعدد الموهبه و الطاقة.


جو العيش علي الحافه محتمل و طيب فالحب. يستحيل احتمالة فالتعايش الاجتماعي.

■ ■ ■


يتساءل زين العابدين الركابى ف«الشرق الاوسط» (السبت 23 شباط 2023): «الاسلام دين جمال و دين رائع (…) فلماذا تلصق بة او يوضع فصوره مشوهه تنال من جمالة او تطفئ بهاءه؟»، و يجيب: «الاسباب =و العله ان هنالك «مسلمين» يجنون علي دينهم هذة الجنايه الخائنه باقوال يقولونها و بافعال يفعلونها». و يركز، بين الصور المعبره عن هذة الجناية، علي «الغلو». و يشرح قائلا: «غلو مسلمين و عنفهم اسباب عميق فادح من سبب التخويف من الاسلام الذي من مقاصدة التوسط و الاعتدال فكل شيء». و ممكن ان نمضى ابعد من ذلك التعبير المهذب و نتحدث عن الظلاميه و السطو علي العقل باسم الاصوليه و الصراط المستقيم. انه استبداد طبقه من رجال الدين بتوجية العامه و نشر التكفير و تخويف الخاصه و لا سيما منهم اهل الفكر و الفن و الادب و التعليم و السياسه و الصحافه و السينما و التلفزيون. هنالك فهذا القرن و فسابقة من ضيق الافق لدي محترفى «الوصايه الاسلامية» ما لم يكن مثلة علي الارجح فالعصور الاولي للاسلام. تراجع ديني فاضح بحق امه توهج تاريخها بحراك فكرى و فلسفى ضخم سبق الغرب المسيحى بقرون فتعميق البحوث و شحذ العقول و تجاوز الحدود. يضاف الي ذلك الصنف من الترهيب الارهاب الاخر، الدموي، الذي شرع فتعميم نموذجة فور انهيار العالم الشيوعي. و حتي لو قلنا ان التخويف من الارهاب الاسلامى مفتعل و انه يخدم اغراض الاستعمار و الصهيونيه فهذا لا يعفى الدول و المجتمعات الاسلاميه من مسؤوليه لها فاتاحه الفرص لتاسيس كهذة الصوره و لتغذيه مقومات استمرارها.


علي الضفه الثانيه من موجات التعصب نري امكانات لنقيضها. انها فرصه تاريخيه لانفجار الثوره العقليه الاسلاميه ضد «السجن اللاهوتى التكفيرى الكبير» كما سماة هاشم صالح ف«الشرق الاوسط» ايضا. انفجارها و تاصلها و تحقيق الغلبه بها فيغدو الاسلام لا ابن الوحى فحسب، بل كذلك ابن التاريخ و قيد تداول العقل الحر بدل ان يظل اسير المحرم. و لن يصبح هذا من فراغ. فبالاضافه الي نهضات الاقدمين، و فضلا عن «مشاغبي» مطلع القرن العشرين امتدادا الي ستيناته، هنالك مجايلون لنا تابعوا المسيره التنويريه و اضافوا اليها: عبد الله القصيمي، نصر حامد ابو زيد، عبد الله العلايلي، محمد اركون، صادق جلال العظم، فرج فودة، سيد محمود القمني، ادونيس، عبدالوهاب المؤدب، رجاء بن سلامة، فاطمه المرنيسي، نوال السعداوي، و غيرهم عديدون فمختلف الاقطار العربية.


نحن ممن يتفاءلون بالمارقين، و بالذين يؤكدون لنا ان لا نخاف علي المستقبل، و ان المجتمع السوري، مثلا، لن يلبث ان يعود الي تسامحة و وحدتة الوطنيه و عروبتة بعد نهايه الحرب الداخلية. و ان مصر لن تركع للسلفيه و الطالبانية. و لا تونس. نحب ان نسمع و نقرا ما يرسخ ايماننا بطيبه شعوبنا و طهاره طويتها، و لانها ايضا تستحق ان تتسالم مع ذاتها و مع تنوعاتها و ان تشعر بانها تتقدم علي دروب الانعتاق و ازدهار الذات و الخلاص من الازدواجيه الكيانية.


لم ينهض الغرب نهضتة الا مذ كرس سلطه الفكر الحر و البحث الحر و التعبير الحر فوق سلطه المقدس الديني. لا الغاء للمقدس فثمه فالكيان الحى ما يرنو الي السرى و الي اللامدنس و لو كان المدنس اكتشافا علميا خارقا او ابداعا ادبيا او فنيا عبقريا. هذة حاجه بشريه (وربما و علي الارجح غير بشريه ايضا) لا يقمعها قمع و لا يحل مكانها ضدها. و الحريه لا تنفيها بل علي النقيض تزيدها رونقا و هيبه اذ تخلصها من التحنيط و تضعها فحيز الشعور و الاختيار و الفردية.


من غير العدل ان يبقي العرب و المسلمون خارج دائره الحضاره هذه، تاره باسم الاصاله و طورا باسم التكفير.

■ ■ ■


بينما يجمح تيار السلفيه فالعالم العربى يتزايد فلبنان عدد المواطنين المتقدمين بطلب شطب مذهبهم عن الهويه و ترتفع و تيره الدعوه الي اقرار الزواج المدنى الاجبارى مع جعل الزواج الدينى هو الاختياري.


الكيان المدان طوال عقود بالطائفيه ينتفض علي الطائفيه و علي المذهبية، و انظمه دول عربيه كانت تتباهي بمؤسساتها المدنيه الراسخه و سطوه الدوله بها و انعدام الانقسامات المذهبيه و الطائفية، تجد نفسها ممزقه ب«التناقضات اللبنانية».


لا احد الا فوق راسة خيمة… لعبه الامم.


ولن يقوينا عليها غير الوعي.


وان كان لا مفر من المواجهه فنعم المواجهة.


لندخل الي التاريخ ندخل الي الحضارة. و كى ندخل الي التاريخ لا ممكن ان نظل نهادن الارهاب الفكري. و لئن كان البعض يقتدى بالنموذج الاسرائيلى حيث التعايش «خلاق» بين اصوليه متفحمه و علمانيه تحاذى الالحاد، فقد اثبتت العصور ان كهذا الوضع غير قابل للنمو و الاستمرار فالمجتمات العربية. هنا انت تهادن الاصوليه لكن الاصوليه لا تهادنك.


الدخول الي التاريخ تسليم للعقل. العقل المحب العطوف و لكن كذلك النير الحر. العقل الذي ينحنى للحقائق و يعترف بالتطور و لا يهاب المحرم الدينى و لا التكفير.


يجب ان نغتنم فرصه الانقسام الراهن السافر بين جبهتى الظلام و النور لننتهى من مرحله نص حياة نص موت.


لعل اروع خاتمه لهذا الكلام، العباره التاليه لنيتشه:


«خير للمرء ان يهلك من ان يبغض و يخاف. خير له ان يهلك مرتين من ان يجلب علي نفسة البغض و من نفسة الرعب. كذا يجب ان يكون فيوم من الايام الشعار الاعظم لكل مجتمع منظم سياسيا».


الاسلام ضد العقل