ذكريات اسلاميه



فى يوم ذكري ميلاد الشريف… تشرئب الاعناق… و تتراقص حبات القلوب… الي تلك البقعه الطاهرة… التي شهدت انبعاث نور المعرفه و الحكمه من حراء… فاتصلت الارض بالسماء، اتصالا قلب اوضاعها العفنة… فبدل خوفها امنا… و جهلها علما… و ضلالها هداية… و كفرها ايمانا.


انبعثت المعرفه من حراء تطوى الصفحات السود من تاريخ الانسان… الذي لطخ الارض بالدماء… و استعبد الضعفاء و الابرياء… و اطفا مصابيح العقل… و اوقد نيران الشهوات… و تحكم فالارزاق و الخيرات… يعطى و يمنع… و يرفع و يضع… استجابه لمقاييس او مفاهيم املاها الشيطان…. و اضاليل تبناها الانسان…


انبعثت المعرفه من حراء لتبطل ناموس الشعوذة… و تفتت صخور الكهانه و تعطل دولاب السلاليات… و اللونيات… فالانسانيه و احدة… بابيضها و اسودها و اصفرها. و احمرها… يكمل بعضها بعضا… و يعين بعضها بعضا…


انبعثت المعرفه من حراء لتعلم الانسان ان هنالك و راء قوه العضل… و جبروت المال… و فتك السلاح قوه اخري هى قوه الايمان… التي تربط بين الانسان و بين عالم النور و الصفاء و الخير و القوة… التي لا تفني و لا تزول…


انبعثت المعرفه من حراء لتصحح المفاهيم و المقاييس… و المعايير… و الديانات… و الافكار… و لتطلق العقل من سجنة الذي ظل محبوسا فية طيله قرون طويلة… ليتاتي للوسطاء… و الكهنة… ان يبذلوا كلام الله… و يبعثوا بشجميلة و يطفئوا جذوه الطموح و الذكاء فالانسان…


اخذت المعرفه طريقها الي بطحاء مكة… تجمع تلك القلوب الحية… و تثير تلك الضمائر الطيبة… و تنادى تلك الاذان المرهفة… فغرست جذورها من اول يوم فاعماق الاعماق… و تمكنت من حبات القلوب… و حركت السواكن… بايات بينات تشع بالحكمة… و تنطق بالحق… و تجادل بالمنطق…


وكان الرسول علية السلام الذي انبعثت الحكمه بين يدية فحراء… و شع نور المعرفه امام عينية بها… يعلم من اسرار النفوس… و طبائعها… ما جعل من سلوكة نحو الناس مثالا انسانيا حكيما… يسير فدعوتة سير الحكيم المتبصر… المتجرد… المؤمن… فيقطع المراحل… و يتجاوز الابعاد… و يذلل الصعاب سلاحة دائما الايمان و المعرفة.


وكونت مدرسه الرسول علية السلام تلك الامثله الحيه من الرجال الافذاذ، الذين اقاموا الدليل العلمى القاطع علي انه باستطاعه الانسان اذا شرب من معين المعرفه الحقيقيه المبنيه علي الايمان و الطهر… ان يبلغ درجه الكمال الممكن فهذة الحياة.


وظلت المعرفه التي انبعثت من حراء شعله و هاجه فيد اولئك الذين كتبوا باعمالهم و جهودهم الصفحات الخالده من حضاره الاسلام… و ثقافه المسلمين…

2) – الاثار النبوية


لا يوجد قطر من اقطار الاسلام الا كنا نجد فية قضيه تشغل الاقلام و الالسنه حقبه طويله من الزمن… و هذة القضيه هى قضيه الاثار الشخصيه للرسول علية السلام… من بردة… و نعل… و خاتم… و شعرات… و ما الي ذلك…


فالمعروف ان المسلمين احبوا الرسول علية السلام و تفانوا فهذة المحبه و احبوا اثاره… و تفانوا فمحبتها و المحافظه عليها طيله قرون…


فحينما خلع بردتة الشريفه و البسها الشاعر كعب بن زهير… ظلت هذة البرده حديث الصحابه و التابعين… و تغالي الناس فشرائها من و رثه كعب… بعدها كانت من نصيب معاويه بن ابى سفيان الذي يذل فسبيل الحصول عليها اموالا طائلة… و صارت اهم شيء يتوارثة الخلفاء الامويون… و يتبركون به… فاذا خرج الخليفه الي صلاه الجمعه او العبد… جعلها فوق ظهرة تعظيما و تشريفا…


ثم انتقلت هذة البرده الي الدوله العباسيه و صارت شعار الخلفاء… يحيطونها بكل مظاهر التقديس و التكريم… و يجعلونها فاوعيه خاصه بلغت النهايه فالزخرفه و التزيين…


وحرصت الدوله العثمانيه ايام خلافتها علي ان يمتلك الخلفاء الاتراك البرده التي كانت عند الخلفاء العباسيين… و كان المعروف انهم حصلوا علي هذة البردة… و نقلوها الي (استانبول) و جعلوها فصندوق من ذهب مرصع بالجواهر… و افردوا لها حجره خاصه كانت تسمي حجره البرده الشريفة…ولم يكتف المؤرخون بالحديث عن البرده هاته… بل انهم تحدثوا عن القضيب الذي كان الرسول علية السلام يحملة بيدة الشريفة… و ذكروا الايادى التي تداولتة قبل ان يصل الي الخلافه العثمانيه و كان هؤلاء يقولون انهم يملكونه… و يحملة بعضهم فيدة فبعض المواسم الدينية… !!


وهنالك الشعرات النبويه التي كانت معروفه فبلاد الهند و تحدث المؤرخون عنها و عن الامراء الذين كانوا يملكونها و يحافظون عليها تبركا فيها و يحيطونها بكل مظاهر التكريم… و ما زال هذا معروفا فالباكستان الي الان…


وهنالك حاجات اخري من الاثار النبويه الشريفه جعلت المؤلفين يهتمون فيها اهتماما بالغا… و يتتبعون اخبارها… و مراحلها منذ قرون… و يؤلفون فذلك كتبا معروفه عند الباحثين و الدارسين.


وهنا فالمغرب شغلت قضيه النعال النبويه الشريفه حيزا كبيرا من الكتب و الاخبار… فالمعروف تاريخيا ان هنالك فمدينه فاس دارا تسمي (اقدام النبي) علية السلام و هذة الدار ما زالت معروفه بهذا الاسم الي الان… بحى مجاور لحى مصمودة…


وكان اهل هذة الدار من الشرفاء الذين هاجروا الي المغرب من بلاد الاندلس… منذ عصر الموحدين و كانوا يملكون نعلين اثنين من نعال رسول الله صلي الله علية و سلم… و ربما توارثوهما خلفا عن سلف منذ هاجروا من المشرق الي الاندلس.. فلما هاجروا الي المغرب صحبوا معهم هذة الذخيره الثمينة… فكانوا يطلعون عليها من رغب فذلك من الملوك و الامراء و الصلحاء و العلماء… و تحدث كثير من هؤلاء عن النعلين الشريفين و مشاهدتهم… و تبركهم بهما.


وصار الناس ففاس و فالمغرب عموما يرسمون رسما علي الورق يمثل النعلين المحظوظين ف(دار اقدام النبي) و يزخرفون الرسم بماء الذهب و الالوان الزاهية… و يكتبون داخل الرسم كلمات و ابيات لتعظيم الرسول. و التبرك بنعلية الشريفين.


وشغلت قصه النعلين حيزا كبيرا من اهتمامات العلماء و المؤرخين… و ربما الف فذلك ابو العباس المقرى مؤلف نفح الطيب كتابا قيما سماه: “فتح المنعال فمدح النعال” و ذكر فهذا الكتاب حاجات طريفه و ممتعه من الاخبار و الاشعار المتعلقه بالنعال الشريفة.


وقد اطلعت علي نسخه خطيه رائعة فريده من كتاب (فتح المنعال) فمكتبه عارف حكمت بالمدينه المنوره منذ سنتين… و وجدت المقرى ربما اجاد و افاد فهذا الكتاب… و وفى مقال النعلين الشريفين حقة من البحث و التنقيب و الافادة…


وهنالك علماء اخرون زاروا الدار التي فيها نعال الرسول ففاس و تبركوا فيها و نظموا قصائد بديعه فالمقال لا مجال لذكرها الان.


كما ان التاريخ يحدثنا ان ظروفا مرت بالمغرب استدعت ان يطلب الناس النعال النبويه ليقدموها شفيعا لاطفاء نيران الحقد و الغضب… و الاصلاح بين المتنازعين…


وهكذا كانت اثار المصطفي علية السلام محل تقدير و تعظيم يتبرك الناس فيها و هذا دليل المحبه و الاخلاص للنبى الكريم الذي بعثة الله رحمه للعالمين…

3) – النواه الحضارية


حينما يكتب المؤلفون تاريخ الحضاره و الثقافه فالاسلام… ينسون او يتناسون العهد النبوي… الذي كان فالحقيقه النواه الحضاريه الاولي لكل ما جاء بعد من ازدهار ثقافى و حضارى عند المسلمين فامتداداتهم عبر القارات الثلاث…


ويخطئ جميع الخطا من يظن ان هذا العهد كان عهدا بدويا ساذجا… فانة لم يكن بدويا… و لا ساذجا برغم ان كثير من مظاهر البداوة… و السذاجه تحيط به…


فكتب السيره النبوية… و كتب الحديث الشريف… تحدثنا عن نظام دوله دينيه كانت لها سائر المقومات و المؤهلات و المرافق…


فهنالك جيش بقواده، و اعلامه، و معداته، و مخازنة للسلاح، و الميرة، و الدواب… و هنالك شرطه بالنهار… و عس بالليل… و سجن… و عقاب… و تعزير… و قاض و محتسب… و اسواق… و معاملات… و عقود… و التزامات…


ولكل هاتة الحاجات احكام و نظام…ونوازل نزلت… و وقائع و قعت… سجلتها كتب السيرة… و كتب الحديث… اما الصناعات فمكه و المدينه فقد كانت لهما جوانب اقتصاديه و حضاريه هامة…


حيث اننا نجد القيون… جمع قين بمعني الحداد الذي يصنع السيوف و الاسنه و الادوات الحديدية… الاخرى…


كما نجد الصاغة… جمع صائغ بمعني صانع الحلى و المجوهرات الثمينة. و هنالك البيطار…والجرائحي… و الحجام… و الصيرفي… و هنالك حرف اخري يكفى ان نشير اليها هنا كالنساج… و البناء… و النجار… و ما الي ذلك… فهذا مجتمع ليس بدويا و لا ساذجا…


وحينما انبعثت المعرفه من حراء… اصبحت رساله و امانه فعنق جميع مسلم… يؤديها بكل ما يملك من و سائل… ما ديه و معنوية… فلهذا دب فالمجتمع الذي نشا حول الدين الجديد تيار المعرفه يثير السبيل امام السائرين… و يرفع سجوف الانعزال امام الحائرين…


وكانت السنوات الثلاث و العشرون التي حمل بها الرسول علية السلام لواء الدعوه بمنزله الاساس المكين و النواه الحضاريه الاولي لدوله المسلمين…

4) – كتابان عظيمان


كتابان عظيمان شهيران الفهما المغاربة، و طبقت شهرتهما ارجاء العالم الاسلامى منذ قرون… و الكتابان معا مؤلفان بروح التفانى فمحبه رسول الله صلي الله علية و سلم… و ابراز شمائلة الكريمة… و صياغه هذا فاسلوب ادبى بديع…


الكتاب الاول هو كتاب الشفا فالتعريف بحقوق المصطفى… الفة القاضى ابو الفضل عياض السبتى دفين مدينه مراكش المتوفي فيها سنه 544 ه.


وكان عياض اماما فالفقه، بارعا فالحديث و اللغه و الادب و التاريخ… شاعرا، كاتبا، مفكرا… بهرتة شيم الرسول و اخلاقة و بلاغتة و احاديثة فالف كتاب “الشفا” و جمع فية جميع شاذه و فاذه من الاخبار المتعلقه بشيمة و اخلاقه… و رتب كتابة ادق ترتيب فجاء كتابا مثاليا من النظام و الترتيب، جامعا لما تفرق فالكتب و المجامع…


واشتهر كتاب الشفا فسائر بقاع الارض فكانت نسخه الخطبه تعد بالالاف و صار عمده و مصدرا و مرجعا لكل من يحاول الكتابه او الاتيف فسيره المصطفي علية السلام.


واعتني العلماء بة فدرسوة و شرحوة و نوهوا بة و بمؤلفة القاضى عياض السبتي… و اعتبروا كتاب الشفا مفخره من مفاخر المغرب… و دليلا قاطعا علي نبوغ المغاربه فالتاليف و التصنيف.


واهتم اهل المغرب و الاندلس بنسخ كتاب الشفا و التبرك به… فكانوا اذا سكنوا دارا قدموا ?


بين ايديهم كتاب الشفا و جعلوة مع المصحف الشريف فاقوى مكان بها.


والكتاب الثاني هو كتاب (دلائل الخيرات) الذي الفة محمد بن سليمان الجزولى المتوفي سنه 870 ه…وقد كان الجزولى عالما ناسكا متصوفا سائحا قام بعده رحلات داخل المغرب و خارجه… و عاش فعصر توالت فية النكبات و المصائب علي المسلمين و عم الجهل و انتشرت الضلاله و الامية… فارتاي الجزولى ان يجمع العوام علي الاستغفار و الصلاه علي النبي… فالف كتاب دلائل الخيرات…


وقد نال الجزولى بسبب كتابة ذلك مكانه مرموقه فحياتة و بعد مماته… و له ضريح شهير بمراكش…

5) – رجال رجراجة


هنالك فتاريخ المغرب قصه يتداولها المؤرخون بعده اساليب و صيغ… و هى قصه رجال سبعه قيل انهم خرجوا من قبيله رجراجه الشهيره المجاوره لمدينه اسفى و وفدوا علي رسول الله صلي الله علية و سلم فاقبل عليهم و كلمهم بلسانهم… فاسلموا و حجوا بعدها رجعوا الي بلادهم لينشروا الاسلام بها… و ربما عرف هؤلاء الرجال بسبعه رجال… و لهم اضرحه شهيره هناك…


وهذة القصه التي يثبتها بعض الرواه و ينفيها البعض… احتلت حيزا من الكتب و الاقلام عند المغاربة… و هى ان لم تكن مستحيله من الناحيه العقلية… فاننا لا نجد لها سندا فالمصادر القديمه التي و صلتنا…


ورغم هذا فان الشائع الذائع ان رجال رجراجه هاجروا فعلا الي المشرق و اسلموا بعدها رجعوا الي و طنهم… و كانوا حمله لواء الاسلام به…


ولهؤلاء الرجال السبعه اضرحه معروفه الي الان… علي الضفه الجنوبيه لنهر تانسيفت… و لكل و احد منهم اسم خاص بة و ذريه معروفه بانتسابها اليه…


وقبيله رجراجه كانت معروفه باسبقيتها الي الاسلام و متانه دين رجالها… و ربما تزعموا محاربه البرغواطيين اتباع صالح البرغواطى الذي زعم انه موحي اليه… فافسد علي الناس دينهم و عقيدتهم… باكاذيب و اضاليل معروفة…


وهنالك فقبيله رجراجه تاسست عده رباطات للدفاع عن حوزه الاسلام… و نشر العلم و الدين. و ربما حفظ لنا التاريخ صفحات ذهبيه لعده ما ثر قام فيها المسلمون الاولون فالمغرب منذ ايام الفتح الاسلامي… علي يد قبيله رجراجة… و قبائل اخري حملوا لواء الدعوه التي اشرق نورها الوهاج من غار حراء… فعم المشرق و المغرب… برساله محمد علية الصلاه و السلام.


ذكريات اسلاميه